العربية  

books sunday

If you do not find what you're looking for, you can use more accurate words.

View more

يوم الأحد (Info)


بعد أن مر على لندن صيف ممطر في عام 1664 وأخر في العام الذي يليه، أُصيبت المدينة بعدها بموسم جفاف غير مسبوق بداية من شهر نوفمبر 1665، وأصبحت المباني الخشبية، على إثر ذلك ونتيجة للصيف الطويل الحار الذي شهده عام 1666، جافة شديدة القابلية للاشتعال. ما لبث أن مر وقت قصير بعد انتصاف ليل يوم الأحد الثاني من سبتمبر في تلك السنة حتى شبت النيران في مخبز توماس فارينور في شارع بادينج لين، وحُوصرت العائلة في أعلى المبني. غير أنهم تمكنوا من الهرب عن طريق التسلق من خلال إحدى النوافذ العلوية إلى المنزل المجاور، وقد جبنت إحدى الخادمات عن المحاولة فوقعت إثر ذلك أولى الضحايا. تعاون الجيران على استخدام المياه في محاولة لإخماد الحريق، ووصل رجال الحراسة بعد ساعة من نشوبه، ورأوا أنه يتوجب دك المباني المتاخمة للمخبز لئلا ينمو انتشار الحريق. فور سماعهم لذلك، تظاهر أصحاب المنازل محتجين، وعندها تم استدعاء السير توماس بلودوورث عمدة المدينة، وهو الوحيد صاحب السلطة للبت في الأمر.

عندما وصل بلودوورث أخيرًا إلى موقع الحريق، كانت النيران قد التهمت بالفعل المباني المتاخمة للمخبز، وتمددت في طريقها نحو المستودعات ومخازن المواد القابلة للاشتعال القائمة على ضفة النهر. تصايح رجال الإطفاء المتمرسون مطالبين بدك المباني، إلا أن بلودوورث قابل هذا بالرفض التام، متعللًا بأن المباني وأراضيها جميعًا مُستأجرة، ومن العسير الوصول إلى مُلّاكها. يجدر بالذكر أنه شاعت الأقاويل أن بلدوورث قد وصل إلى منصبه باللجوء إلى تملق الحكام والخنوع لهم، على افتقاره للمقومات الأساسية والضرورية للمنصب؛ إذ بلغ منه الذعر مبلغه حين فاجأته أول حادثة طوارئ. ومع استمرار الضغط عليه قال مقولته الشهيرة "أف لهذا! لو تبولت عليه امرأة لأطفأته"، وغادر موقع الحريق بعدها. وكتب صموئيل بيبس في مذكراته بتاريخ السابع من سبتمبر عام 1666، مسترجعًا الأحداث وبعد أن تدمرت المدينة بالكامل قائلًا: "يصيح الجميع من شتى أنحاء العالم مـتألمين من بساطة [حماقة] عمدة المدينة على وجه العموم، وفي حادث الحريق على الأخص؛ إذ يلقون بكل اللائمة عليه وحده."

قام صموئيل بيبس في صباح يوم الأحد بارتقاء قمة برج لندن ليستطلع الحريق من علٍ، إذ كان وقتها أحد المسؤولين الكبار في البحرية الإنجليزية، وقد سجل في مذكراته كيف زادت الرياح الشرقية من نمو الحريق؛ حيث قدر لحظتها أن النيران قد طالت عدة كنائس وما يقرب من ثلاثمائة منزل ووصلت إلى ضفة النهر، إذ شبت النيران في البيوت القائمة على جسر لندن. بعدها، أخد بيبس مركبًا ليستبين الحريق عن قريب، ووصف ما شاهده بأنه "يبعث على الأسى" حيث "يجاهد الجميع لنقل أمتعتهم ويتدافعون إلى النهر، أو يحملونها إلى المواعين (مراكب نقل) الكبيرة الراسية. الفقراء منهم قرروا المكوث في منازلهم حتى يصلهم الحريق، وقتها يهرعون إلى القوارب، أو يتدافعون لتسلق المباني القائمة على ضفة النهر واحدًا تلو الأخر." واستمر بيبس في توجهه في النهر غربًا إلى بلاط الملك في وايت هول، "حيث تجمهر الناس حولي، وأخبرتهم بمجريات الأمور مما أثار فيهم روعًا بالغًا، ونُقلت الأخبار المؤسفة إلى الملك، فأمر باستدعائي. عندها نقلت إليه ودوق يورك ما شاهدتُ، وأنه مالم يأمر الملك بهدم المباني، فلن يقف دون الحريق شيء. بدا أن الأخبار أزعجت الملك والدوق بشكل بالغ؛ إذ أمرني الملك مباشرة بالتوجه لعمدة المدينة، وتوصيل الأمر إليه بألا يستبقي من المباني واحدًا، وتسوية كل المباني التي تقف أمام الحريق في كل اتجاهاته بالأرض." كذلك عرض جيمس، أخو الملك ودوق يورك، الاستعانة بالقوات الملكية في التصدي للحريق.

بالقرب من ويستمنستر، وعلى بعد حوالي ميل من شارع بادينج لين، هرع ويليام تاسويل خارجًا من الواجبات الصباحية في دير ويستمنستر، وشهد وصول اللاجئين من السكان على مراكب النقل ليس عليهم إلا بعض البطانين يدثرون بها. ويجدر ذكر أن عمال المراكب استغلوا الموقف ورفعوا تكلفة النقل للغاية، ولم يجد إلا الميسورون من الناس مكانًا على القوارب.

أخذت الرياح العاصفة في زيادة سرعة انتشار الحريق أكثر فأكثر، وبحلول منتصف نهار يوم الأحد كان الناس قد يأسوا من محاولة إخماد الحريق، وبدأوا في الفرار. فاستحال وصول رجاء الإطفاء وسيارات الإطفاء إلى الحريق، نتيجة للكتلة البشرية المتحركة بأمتعتهم وعرباتهم في الشوارع. في ذلك الوقت، أقلت صموئيل بيبس عربة في الطريق من وايت هول إلى المدينة، واضطر عند وصوله إلى كاتدرائية القديس بولس إلى الترجل والتقدم على قدميه. لم يزل وقتها السكان مستمرين في الابتعاد عن الحريق، مثقلين بالعربات المحملة بالأمتعة والبضائع، وكذلك امتلأت الكنائس الرعوية التي لم تكن تحت تهديد مباشر بالأمتعة والممتلكات القيمة، والتي لم تكن لتظل هناك وقتًا طويلاً حتى يتم نقلها مجددًا. في غمرة ذلك، عثر بيبس على عمدة المدينة بلود وورث مشغولاً بتنسيق جهود إطفاء، وهو على وشك الانهيار "فبدا كامرأة موشكة على الإغماء"، وأخذ يصيح متباكيًا فور سماعه رسالة الملك بأنهم بالفعل يقومون بهدم المباني، "ولكن النيران تنتشر أسرع من محاولاتنا لإخمادها." وتبع العمدة ذلك الرفض التام لعرض دوق يورك باستخدام القوات الملكية، متمسكًا بالمحافظة على كرامته المدنية، وغادر بعدها إلى منزله لينام. وقتئذ، أخذ الملك تشارلز الثاني قاربه الملكي وأبحر إلى المدينة ليستبين الأمر بنفسه، وإذ رأى أن المباني لم يتم هدمها، على الرغم مما أكده العمدة لصموئيل بيبس، أقدم على الأمر بتفجيرات شاملة غرب منطقة الحريق، متخطيًا سلطة بلودوورث؛ إلا أن جميع تلك الإجراءات جائت دون جدوى، إذ جاءت متأخرة للغاية وقت خرج الحريق بالفعل عن السيطرة.

بعد ثمانية عشر ساعة كاملة من انطلاق إنذار الحريق في شارع بادينج لين، بعد الزوال من يوم الأحد، كان الحريق قد تحول إلى عاصفة نارية تخلق لنفسها جوًا خاصًا. فأخذ الهواء الساخن في الاندفاع إلى الأعلى بشدة، تحت قوة تأثير المدخنة (حركة دخول الهواء الساخن وخروجه من المباني أو المداخن أو الحاويات الضيقة تحت تأثير الطفو) في الأماكن التي ساهمت فيها المباني ذات البروزات في تضييق تيار الهواء في الأعلى، تاركة على المستوى الأرضي فراغًا هوائيًا. لم تساعد مثل تلك التيارات الهوائية القوية الناتجة من ذلك التأثير في إطفاء الحريق، بل على النقيض من ذلك تمامًا؛ فقد عملت على تغذية النيران بإمدادات وفيرة من الأكسجين، كذلك عملت قوة الجريان المضطرب الناتجة عن اندفاع الهواء الساخن إلى أعلى على تغيير اتجاه الرياح بصورة عشوائية إلى الشمال والجنوب من اتجاه هبوب الرياح الشرقي الأساسي.

في بداية المساء، اصطحب صموئيل بيبس زوجته ونفرًا من أصدقائه عائدا إلى النهر، "وإلى حيث الحريق يعلو ويهبط في اشتداد مطرد." وطلبوا من المراكبي أن "يقترب من النيران حتى ليصبح بمقدورنا إشعال سيجارة منها. وإذ صوب المرء وجه في مواجهة الرياح، وعلى كل رقعة في على نهر التايمز، تنهال عليك أمطار من قطع النيران حتى تكاد أن تحرقك بالكامل." ولما عسر على الحشد احتمال قطع النيران، توجهوا إلى حانة على الضفة الجنوبية ومكثوا فيها حتى هبوط الظلام، ومنها استطاعوا مشاهدة النيران على جسر لندن وعلى الضفة المقابلة "والتي يمتد منها قوس هائل من النيران إلى الجانب الأخر من الجسر، ويمتد منها قوس أخر أعلى التلة لمسافة تصل إلى أكثر من الميل. لقد أبكاني المشهد." ويمضي بيبس ليصف قوس النيران بأنه "قوس مسحوب فيه سهم الله، مضيئة مقدمته."

Source: wikipedia.org