If you do not find what you're looking for, you can use more accurate words.
الإسلام دين يُسر وليس دين عُسر، جاءت أحكامه تُراعي أحوال النّاس، فالله -سبحانه وتعالى- قد فرض على عباده العبادات وأباح لهم الرّخص لمن لا يستطيع القيام بها أو يشقّ عليه فرض من الفرائض، قال الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ اللَّهَ يحبُّ أن تؤتَى رُخصُهُ، كما يحبُّ أن تؤتَى عزائمُهُ). والمسح على الجَوارب في الوضوء رخصة تُهوّن على المُسافر طريقه وتُخفّف من مَشقّة البَرد للمُقيم في الشّتاء البارد، ولها شروط لا بدّ من مَعرفتها ليكون فعلها صحيحاً مقبولاً بإذنه تعالى.
الرُّخصة لغةً تعني عكس التشديد، وترخيص الله للعبد في أمر هو تخفيف الله عنه. وأمَّا في الاصطلاح فتُستعمل على معنيين: الأول أنَّها حكمٌ نَزَل يخفِّف عن النّاس بعذر بعد حكم كان فيه شيء من العسر عليهم. والثاني، وهو الأدق، أنّ الرخصة هي ما تمَّت استباحته مع قيام المحرِّم، والتيسير مقصدٌ من مقاصدِ الشريعة الإسلامية إذ جاءت تراعي أحوال الناس وأمور حياتهم، والمسح على الجوارب مثالٌ جليٌّ على هذا. كما أنَّ التَّرخيص فرعُ يندرجُ تحت أصلٍ كُليٍّ من أُصولِ الشريعةِ ألا وهو أصلُ رفع الحرج الذي يقتضي يسر التكاليف على العباد في أصلها، والرُّخَص تخفيف لما يشقّ وقت إتيان تطبيق الحكم.
المسح لغةً هو تمرير اليد على الشّيء. أمّا شرعاً فهو إصابة البلل خُفّاً مَخصوصاً بشروط مَخصوصة في وقت مخصوص وطريقة مخصوصة.
أمّا الجورب فهو ما يرتديه الإنسان في قَدَمه إن كان مَصنوعاً من القطن، أو الكتّان، أو الصّوف، أو ما شابه هذا.
الخُفُّ مفرد خِفاف، والخفُّ الذي يصحُّ المسح عليه هو الذي يرتديه الإنسان في قدمه بغض النظر مما صُنع كالصوف أو الوبر أو الجلد أو غيرهم، حتى يصل إلى الكعبين (والكعب هو العظمة البارزة في القدم)، وأمّا الجورب الذي يصحُّ المسح عليه فهو حاملٌ لهذه المواصفات إلا أنه لا يكون من الجلد.
اتّفقت المذاهب الأربعة على جواز المسح على الخُفّين للمقيم وللمسافر، مع اختلاف فيما بينهم في الشروط. وحُكم المسح على الجوارب يأخذ حُكم المسح على الخُفّين مع مراعاة وصفه أنّه مصنوع من غير الجلد، فعلى هذا الوصف، لم يُجِز المسح على الجوارب المالكيّة وأبو حنيفة لاشتراطهم أن يكونَ من الجلد، كذلك، لم يجزه الشّافعيّة والحنَفيّة، إذ قالوا بعد جواز المسح على ما هو منسوج لا يمنع نفوذ الماء إلى القدمين (في غير مكان الخياطة). وأجاز المسح على الجوارب (بوصفها مصنوعة من القماش) الحنفيّة والحنابلة، بشرط كون الجوارب ثخينة، وتفصيل الشروط مفصّل فيما يأتي.
وكباقي التّكاليف والأحكام الشرعيّة فالمسح رخصة ثبتت بالدّليل، فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: (بال جَريرُ بنُ عبدِ اللهِ ثمَّ توضَّأ ومسَح على خُفَّيْهِ فقيل له: أتفعَلُ هذا؟ فقال: وما يمنَعُني وقد رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه؟). وعن المُغيرة بن شعبة قال : (رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأ فغسَل وجهَه ويدَيهِ ثمَّ مسَح على خُفَّيهِ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، تمسَحُ على خُفَّيْكَ؟ قال: إنِّي أدخَلْتُ رِجْليَّ وهما طاهرتانِ).
هناك شروط لا بدّ من توفّرها للأخذ بهذه الرّخصة، وعليه فأنّه لا فرق بين الخُفّين والجوربين، فيُحال حكم الخُفّين على الجوارب:
بناءً على ما سبق من شروط عامّة في المسح على الخُفّين، تناول الفقهاء مسألة المسح على الجوربين على التفصيل الآتي:
يرى جمهور الفُقهاء أنّ مُدّة المسح يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيّام ولياليها للمُسافر. والمالكيّة يَرون عدم تحديد مدّة له.
عن شريح بن هانئ قال: (أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألُها عن الخُفَّيْنِ، فقالت: عليك بابنِ أبي طالبٍ فاسألْهُ فإنَّهُ كان يُسافرُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأتيتُهُ فسألتُهُ، فقال: جعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثلاثةَ أيامٍ ولياليهِنَّ للمُسافرِ، ويومٌ وليلةٌ للمُقيمِ).
وللمسح على الجوارب كيفية محددة معلومة في الشرع فعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (لو كان الدّين بالرّأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله عليه الصّلاة والسّلام يمسح على ظاهر خُفيّه). ويكون المسح بالابتداء من أصابع القدم خطوطاً بأصابع اليد باتّجاه الساقّ، ويستنتج مما ورد عن عليّ -رضي الله عنه- أن المسح يكون لأعلاهُ لا لأسفلهِ، ويختلف قدر المسح بين المذاهب وهو كالآتي:
يَبطل المسح على الجوارب بعدّة أمور هي كالآتي: