If you do not find what you're looking for, you can use more accurate words.
كانت الثورة الزراعية أو التحول الديموغرافي(السكاني) في العصر الحجري الحديث، أو الثورة الزراعية، أو الثورة الزراعية الأولى هي الانتقال الواسع النطاق للعديد من الثقافات البشرية خلال فترة العصر الحجري الحديث من نمط حياة الصيد والجمع إلى نمط من الزراعة والاستيطان، مما ساهم بجعل عدد السكان أكبر، حيث سمحت هذه المجتمعات المستقرة للإنسان بمراقبة النباتات واختبارها لمعرفة كيفية نموها وتطويرها، وهذه المعرفة الجديدة أدت إلى استزراع (ما يقابل التدجين) النباتات.
تشير البيانات الأثرية إلى أن تدجين أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات قد حدث في أماكن منفصلة في جميع أنحاء العالم، بدءًا من الحقبة الجيولوجية للهولوسين قبل حوالي 12500 سنة، وقد كانت أول ثورة زراعية قابلة للإثبات، حيث أدت ثورة العصر الحجري الحديث إلى تضييق نطاق تنوع الأغذية المتاحة، مما أدى إلى تراجع في تغذية الإنسان.
ساهمت بتقديم ما هو أكثر من مجرد تقنيات إنتاج الغذاء، فخلال آلاف السنين القادمة تحولت المجموعات الصغيرة والمتنقلة من الصيادين-الجامعين الذين كانوا يهيمنون على ما قبل التاريخ البشري إلى مجتمعات مستقرة (غير بدوية) قائمة في قرى وبلدات مبنية.
قامت هذه المجتمعات بتعديل بيئتها الطبيعية بشكل جذري عن طريق زراعة المحاصيل الغذائية المتخصصة، مع أنشطة مثل الري وإزالة الغابات التي سمحت بإنتاج فائض من الأغذية، كما حدثت تطورات أخرى هي تدجين الحيوانات وصناعة الفخار والأدوات الحجرية المصقولة والمنازل المستطيلة.
هذه التطورات التي يطلق عليها أحيانًا حزمة العصر الحجري الحديث، وفرت الأساس للإدارات المركزية والهياكل السياسية، والإيديولوجيات الهرمية، وأنظمة المعرفة كالكتابة، والمستوطنات المكتظة بالسكان، والتخصص وتقسيم العمل، والمزيد من التجارة، وتطور في الفن والهندسة المعمارية، ومفهوم الملكية، وظهرت أقدم حضارة معروفة في سومر في جنوب بلاد ما بين النهرين (نحو 6500 سنة قبل الحاضر) كما بشرت ببداية العصر البرونزي.
تظل علاقة الخصائص المذكورة أعلاه مع بداية الزراعة وتسلسلها في الظهور والعلاقة التجريبية مع بعضها البعض في مواقع مختلفة موضوع نقاش أكاديمي، وتختلف من مكان إلى مكان، بدلاً من كونها حصيلة قوانين عالمية للتطور الاجتماعي، حيث شهد المشرق أولى تطورات الثورة النيوليتية منذ نحو 10000 قبل الميلاد تلاه منطقة الهلال الخصيب.
صيغ مصطلح العصر الحجري الحديث في عام 1923 على يد ف. جوردون تشايلد(V. Gordon Childe) ليصف بداية سلسلة من الثورات الزراعية في تاريخ الشرق الأوسط، وتوصف هذه المرحلة بأنها "ثورة" للدلالة على التأثير الكبير والأهمية البالغة ودرجة التغيير التي أثرت على المجتمعات التي اعتمدت الممارسات الزراعية الجديدة وصقلتها تدريجيًا.
وقد تم تأريخ بداية هذه العملية في مناطق مختلفة من 10,000 إلى 8000 قبل الميلاد في منطقة الهلال الخصيب، وربما 8000 قبل الميلاد في موقع كوك (Kuk) الزراعي في ميلانيزيا، ويبدو أن هذا التحول في كل مكان كان مرتبطًا على نحوٍ كبير بالتغيير من أسلوب حياة الصياد-الجامع إلى أسلوب أكثر استقرارًا يقوم على الزراعة مع بداية تدجين أنواع نباتية وحيوانية مختلفة - اعتمادًا على الأنواع المتوفرة محليًا بالإضافة إلى تأثير الثقافة المحلية أيضًا، وتشير الأبحاث الأثرية الحديثة إلى أن الانتقال من الصيادين-الجامعين إلى الزراعة لم يكن خطيًا في بعض المناطق مثل شبه جزيرة جنوب شرق آسيا، بل كان محددًا في المنطقة.
هناك العديد من النظريات المتنافسة (ولكن ليست حصرية) فيما يتعلق بالعوامل التي دفعت السكان إلى اعتماد الزراعة، وأبرز هذه النظريات:
يوفر لنا تحليل (الاستخدام-التآكل) لخمسة أنصال مصقولة من الصوان الموجودة في أوهالو 2، وهو معسكر لجامعي الثمار والصيادين وصيادي السمك وعمره 23 ألف عام على شاطئ بحيرة طبريا في شمال إسرائيل، أول دليل على استخدام أدوات حصاد الحبوب المركبة. كان موقع أوهالو عند تقاطع العصر الحجري القديم مع أوائل نهاية العصر الحجري القديم، ونُسب إلى كلتي الحقبتين.
تشير آثار التآكل إلى استخدام أدوات لحصاد الحبوب البرية شبه الناضجة وشبه الخضراء، قبل فترة وجيزة من نضوج الحبوب وتنثرها طبيعيًا. لم تٌستخدم الأدوات المدروسة بكثافة، وهي تعكس طريقتين للحصاد: الأولى سكاكين الصوان الممسوكة باليد، والثانية إدخال مقبض عليها لإمساكها بالمقبض. سلطت الاكتشافات الضوء على تقنيات حصاد الحبوب قبل نحو 8,000 عامًا من النطوفية، وقبل 12,000 عامًا من إنشاء مجتمعات زراعية مستقرة في الشرق الأدنى. وعلاوة على ذلك تتفق النتائج الجديدة تمامًا مع الأدلة على زراعة الحبوب المبكرة في الموقع، واستخدام أدوات الطحن المصنوعة من الحجر.
بمجرد أن بدأت الزراعة تكتسب زخمًا، نحو 9000 عامًا قبل اليوم، نتج عن النشاط البشري اصطفاء صناعي لأعشاب الحبوب (بدءًا من القمح ثنائي الحبة، والقمح وحيد الحبة، والشعير) لأنها تعود بسعرات حرارية أكبر. اعتبرت النباتات ذات السمات مثل البذور الصغيرة أو الطعم المر غير مرغوبة. اتجهوا إلى عدم جمع النباتات التي تتخلص بسرعة من البذور عند النضج وقت الحصاد، لذلك لا تخزن ولا تزرع في الموسم التالي، بعد سنوات متتالية من الحصاد يجري اختيار السلالات التي احتفظت ببذورها الصالحة للأكل لفترة أطول تلقائيًا.
عَرّف دانيال زوهري العديد من الأنواع النباتية بأنها «محاصيل تجريبية» أو محاصيل مؤسسة للحضارة. سلط الضوء على أهمية القمح، والشعير، والجاودار، واقترح في وقت لاحق استزراع الكتان، والبازلاء، والحمص، والبيبقية المرة، والعدس. استنادًا إلى تحليل جينات النباتات المستزرعة، فضل نظريات محددة، أو على الأقل عدد قليل جدًا لأحداث الاستزراع لكل أصنوفة انتشرت في قوس من ممر المشرق حول الهلال الخصيب ثم إلى أوروبا لاحقًا. أجرى غوردون هيلمان، وستوارت ديفيز تجارب على أنواع مختلفة من القمح البري لإظهار أن عملية الاستزراع كانت لتحدث على مدى فترة قصيرة نسبيًا تتراوح بين 20 و200 عامًا. فشلت بعض المحاولات الرائدة في البداية، وأهمِلت المحاصيل التي كان من المقرر أن تعالج مرةً أخرى ونجح استزراعها بعد ذلك بآلاف السنين: شق الجاودار، الذي جرت تجربته وتركه في العصر الحجري الحديث في الأناضول، طريقه إلى أوروبا كبذور عشبية، واستزرِع بنجاح في أوروبا، بعد آلاف السنين من الزراعة الأولى. شكل العدس البري مشكلة مختلفة: معظم البذور البرية لا تنبت في السنة الأولى، يظهر أول دليل على استزراع العدس، بعد الخروج من حالة السبات في عامهم الأول، في أوائل العصر الحجري الحديث في الجرف الأحمر (في سوريا الحديثة)، وسرعان ما انتشر العدس جنوبًا إلى موقع نتيف هاغدود في غور الأردن. سمحت عملية الاستزراع للمحاصيل المؤسسة بالتكيف وأصبحت في النهاية أكبر، وأكثر سهولة في الحصاد، وأكثر موثوقية في التخزين، وأكثر فائدة للجنس البشري.
زُرِع التين والشعير والشوفان البري عن طريق الاصطفاء الصناعي في أوائل العصر الحجري الحديث في غيلغال 1، إذ عثر علماء الآثار عام 2006 على مخابئ بذور كل منها فيه كميات كبيرة للغاية بحيث لا يمكن حسابها حتى من خلال التجميع المكثف، يعود عمر الطبقات إلى نحو 11,000 سنة. جُربت بعض النباتات ثم أهمِلت خلال فترة العصر الحجري الحديث في الشرق الأدنى القديم، في مواقع مثل غيلغال، وجرى استزراعها بنجاح في أجزاء أخرى من العالم.
بمجرد أن أتقن المزارعون الأوائل تقنياتهم الزراعية مثل الري (التي ترجع إلى الألفية السادسة قبل الميلاد في خوزستان)، حققت غلة محاصيلهم فائضًا وكانت بحاجة إلى التخزين. لم يستطع معظم جامعي الثمار والصيادين تخزين الطعام لفترة طويلة بسبب نمط حياتهم المتنقلة، في حين أن أولئك الذين لديهم مسكن مستقر تمكنوا من تخزين فائض الحبوب. في النهاية طُوِرت مخازن الحبوب التي سمحت للقرى بتخزين بذورها لفترة أطول. لذلك مع زيادة الغذاء، زاد عدد السكان وتطورت المجتمعات مع عمال متخصصين وأدوات أكثر تقدمًا.
لم تكن العملية خطية كما اعتقِد من قبل، بل كانت جهدًا أكثر تعقيدًا، اضطلع به مختلف السكان في مختلف المناطق وبطرق مختلفة.
الشعير أحد أهم المحاصيل في العالم، استزرِع في الشرق الأدنى منذ نحو 11,000 عامًا (نحو 9000 قبل الميلاد). الشعير محصول عالي المرونة، قادر على النمو في بيئات متنوعة وهامشية، مثلما هو الحال في مناطق الارتفاع وخطوط العرض العالية. تشير الأدلة الأثرية إلى أن الشعير انتشر في جميع أنحاء أوراسيا نحو 2000 قبل الميلاد. استخدِم التحليل الجيني لتحديد التنوع الوراثي والبنية السكانية في أصناف الشعير الموجودة، لتوضيح الطرق التي انتشرت بها زراعة الشعير عبر أوراسيا. يظهر التحليل الوراثي أن الشعير المزروع انتشر عبر أوراسيا عبر طرق مختلفة، والتي من المحتمل أن تكون منفصلة في الزمان والمكان.
ظهرت الزراعة لأول مرة في جنوب غرب آسيا بعد نحو ألفي عام، أي منذ نحو 10,000 - 9000 عامًا. كانت المنطقة مركزًا لاستزراع ثلاثة أنواع من الحبوب (القمح ثنائي الحبة، والقمح وحيد الحبة، والشعير)، وأربعة من البقوليات (العدس، والبازلاء، والبيبقية المرة، والحمص)، والكتان. كانت عملية الاستزراع بطيئة وانتشرت عبر مناطق متعددة، وسبقتها قرون إن لم تكن آلاف السنين من زراعة ما قبل الاستزراع.
أظهرت اكتشافات كميات كبيرة من البذور وحجر الطحن في نهاية العصر الحجري القديم في موقع أوهالو 2، والتي يرجع تاريخها إلى نحو 19,400 عامًا قبل الحاضر، بعضًا من الأدلة المبكرة على التخطيط المتقدم للنباتات لاستهلاك الأغذية، وتشير إلى أن البشر في أوهالو 2 عالجوا الحبوب قبل الاستهلاك. تل أسود هو أقدم موقع للزراعة، إذ يعود تاريخ القمح الثنائي الحبة المستزرع إلى 10,800 عامًا قبل الحاضر. بعد فترة وجيزة اكتشَف الشعير المقشر المكون من صفين، والذي استزرِع باكرًا في أريحا في غور الأردن، وعراق الدب في الأردن. شملت المواقع الأخرى في ممر المشرق التي ظهرت فيها أدلة مبكرة على الزراعة وادي فينان 16، ونتيف هاغدود. أشار جاك كوفين إلى أن مستوطني أسود لم يستزرعوا في الموقع، لكن «ربما وصلوا من سلسلة جبال لبنان الشرقية المجاورة، المجهزة بالفعل بالبذار للزراعة». في الهلال الخصيب الشرقي، عُثِر على دليل لزراعة النباتات البرية في تشوغا غولن في إيران، والتي يرجع تاريخها إلى 12,000 عامًا قبل اليوم، ما يشير إلى وجود مناطق متعددة في الهلال الخصيب تطورت فيها عملية الاستزراع تقريبًا بشكل متزامن. جرى التعرف على ثقافة القرعون في العصر الحجري الحديث الثقيل في نحو خمسين موقعًا في لبنان حول مصدر ينابيع نهر الأردن، ولكن لم تؤرخ على نحو موثوق قط.