اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.
تعرّف القصة بأنّها الحكاية والخبر، ولقد استخدم القرآن الكريم ذلك الأسلوب، فروى الكثير من قصص الأمم السابقة، ودعوة الأنبياء، وما عانوه مع أقوامهم، وما تعرّضوا له من الأذى، وكيف صبروا وتحمّلوا في سبيل كلمة الله تعالى، وفي سبيل إعلائها، وبالتالي فإنّ تلك القصص القرآنية، هي بمثابة دُربةٍ لكيفية سلوك طريق الدعوة، وخير مثالٍ على ذلك، النبي صلّى الله عليه وسلّم، الذي ضرب الله له تلك الأمثلة في القرآن الكريم؛ دعماً وتثبيتاً له، حيث قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ).
وقوم نوحٍ هم القوم الذين بُعث لهم النبي نوح عليه السلام، ويُذكر أنّه كان يُقال لهم: بنو راسبٍ، أمّا عن موطنهم، فقد سكن قوم نوحٍ -عليه السلام- في جنوب العراق، حول مدينة الكوفة في الوقت الحاضر، وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ المدة التي كانت بين آدم ونوح عليهما السلام؛ هي عشرة قرونٍ، وكان الناس كلّهم خلال تلك المدة على الإسلام، ثمّ بعد تلك القرون تغيّر الحال، وبدأت عبادة الأصنام بالانتشار في ذلك الوقت، والسبب في ذلك كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)، قال ابن عباس: (هذه أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ، فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم، التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ العلم عُبدت)، ولقد عبدت كلّ طائفةٍ من قوم نوحٍ -عليه السلام- صنماً من تلك الأصنام، حتى وصل بهم الأمر إلى أن جعلوها تماثيل مجسدةً، وعُبدت من دون الله عزّ وجلّ.
نوحٌ -عليه السلام- هو أحد الأنبياء الذين وردت قصتهم في القرآن الكريم، وهو من أولي العزم من الرسل، وهو أول رسولٍ بعد آدم عليه السلام؛ أيّ الأب الثاني للبشر، حيث رُوي في الحديث: (أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ كان آدَمُ؟ قال: نَعم مُكَلَّمٌ، قال: فكم كان بيْنَه وبيْنَ نوحٍ؟ قال: عشَرةُ قُرونٍ)، ولقد بعثه الله -تعالى- عندما انتشر الفساد، وعمّ في الأرض، وكثرت عبادة الأصنام والطواغيت، فكان أول رسولٍ بُعث إلى أهل الأرض، قال ابن عباس رضي الله عنه: (كان بين نوحٍ وآدمَ عشرةُ قرونٍ كلُّهم على شريعةٍ من الحقِّ، فاختلَفوا فبعث اللهُ النبيين مُبشِّرينَ ومُنذرِين)، ولقد اختُلف في عمر نوحٍ يوم بعثه الله تعالى، فقيل كان عمره خمسين سنةً، وقيل ثلاثمئةٍ وخمسين سنةً، وقيل أربعمئةٍ وثمانين سنةً.
بعث الله -تعالى- نوحاً -عليه السلام- لقومه، وبدأ بدعوتهم إلى توحيد الله، وإفراد العبادة له، وألّا يشركوا معه في العبادة صنماً ولا طاغوتاً، ومن رحمة وصبر نوحٍ عليه السلام، فقد استخدم مع قومه كلّ الأساليب والوسائل، فدعاهم بالليل والنهار، والسرّ والجهر، وتارةً يرغّب وتارةً أخرى يرهّب، إلّا أنّ ذلك لم ينجح مع قومه، بل ما زادهم إلّا عناداً واستكباراً، فصبّوا له العداوة، وسخروا منه أشدّ السخرية، ومع ذلك ما كان منه إلّا أن استمرّ في دعوته، حيث قال الله تعالى: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)، وبعد تلك المدة الطويلة لم يؤمن به إلّا القليل، فلمّا يئس منهم ومن صلاحهم، دعا عليهم دعوة غضبٍ لله تعالى، فاستجاب الله -تعالى- له، حيث قال: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ*وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)، حينها أمره الله تعالى بصنع سفينةٍ عظيمةٍ، وأن يحمل معه فيها كلّ من آمن، وأن يحمل كذلك من كلّ زوجين اثنين من الحيوانات، فإذا جاء أمر الله -عزّ وجلّ- فلا يراجع قومه، حيث قال الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ)، فجاء وعد الله، واستجاب لدعاء نوحٍ عليه السلام، فغرق من قومه كلّ من كفر واستكبر، ولم يبق منهم عين تطرفٍ.
القرآن الكريم هو عماد لغة العرب، وملاذ الدين الأسمى، ولقد أرسى بين طياته أسساً كثيرةً لحياة الناس، وانتهج في عرض ذلك عدة أساليبٍ، ومنها أسلوب سرد القصة، والتي لها الأثر الكبير في النفس، وفيما يأتي بيانٌ لبعض أهداف وأغراض إيراد القصة في القرآن الكريم: