لما كانت تصرفات المسلمين قد يطرأ عليها الفساد بعد الدخول فيها مما يجعلها فاسدة وغير مثمرة، أصبح لازماً على العبد معرفة ما قد يفسد عمله حتى يكون على بصيرة من أمره. إن ذلك الإعرابي الذي صلى مرات عديدة ومع ذلك أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة في كل مرة ويقول له: صلي فإنك لم تصل، لو كان على معرفة بما يجب عليه فعله والإتيان به في صلاته من شروط وأركان وواجبات لكانت صلاته صحيحة من أول مرة أداها.
فمعرفة الإفساد، وما يتعلق به من أمور، من ضروريات الحياة، لهذا اختار المؤلف هذا الموضوع الهام الذي يمثل الشرط الثاني لقبول العبادة وهو الموافقة، بل إنه تطبيق لشهادة أن محمداً رسول الله، إذ معناها طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما بلغ، وما ضل اليهود والنصارى إلا حينما أخلوا بهذه القاعدة العظيمة، قاعدة المتابعة لرسلهم، فالإفساد من أهم الأمور التي يجب على العبد معرفتها والإلمام بها.
وقد سلك لبحث هذا الموضوع عدة مسالك لأهميته ودقته، حيث أنه يتعلق بأمر الثواب والعقاب دنيا وآخرة وحقوق الآخرين، فرجع إلى أمهات الكتب والمراجع في المذاهب الفقهية الأربعة وكذلك كتب الفروع في كل مذهب وجمع ما وجد فيها مما يتعلق بالإفساد ولم يقتصر على الكتب القديمة بل رجع إلى الكتب الحديثة المؤلفة في هذا الموضوع، وهدفه المساهمة في خدمة المكتبة الإسلامية التي تفتقر إلى مؤلف جمع موضوع الإفساد في كتاب واحد، ينظر إلى مسائله كوحدة مترابطة في نظرية واحدة، يتعلق بعضها ببعض، مكتمل الصورة، ليسهل الرجوع إليه فيما يتعلق بالإفساد في الفقه الإسلامي.
لما كان أيٌّ تصرف، أو عبادة، أو عمل، قد يدخل عليه الفساد، يلزم المسلم أن يكون على بصيرة بما يُفسد عمله. وهذا ما حدا بالمؤلف أن يضع هذا البحث الجديد، حيث جمع مواضيع الإفساد من كتب الفقه المختلفة، وأبوابه المتفرقة وصنَّفها لأول مرة في كتاب واحد جامع شامل.
في الباب الأول تحدث عن المفسدات وتضمَّن: أسباب الإفساد، والمفسدات، وما يكون به الإفساد
وفي الباب الثاني، بحث في محل الإفساد وآثاره، وتضمن: إفساد الأشياء، وإفساد الأعمال، وإفساد الأقوال، وإفساد الأحوال. ثم تحدث عن آثار الإفساد.
وأصل الكتاب رسالة دكتوراه جرى تشذيبها بحيث يستفيد منها القراء جميعاً، وتسد ثغرة في المكتبة العربية والإسلامية.