English  

كتب معاملات إسلامية

اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.

عرض المزيد

العمل الإسلامي (معلومة)


محاولة توحيد العمل الإسلامي

كان عبد السلام مقتنعاً بضرورة السعي لتوحيد جهود العاملين للإسلام في المغرب، فكان أن قاد عملية التواصل والحوار مع ثلة من الإسلاميين وفي الشهادة التالية إضاءات لبعض معالم تلك المرحلة:«كنا نتورع من زيادة الشق في الصف الإسلامي، وكان منشقاً بالفعل، فلذلك قررنا أن نزور بعض العاملين في حقل الدعوة ندعوهم إلى توحيد العمل. كانت هذه مثالية دمنا فيها وعشنا فيها سنة ونصفاً، اجتمعنا مع العاملين في الحقل الإسلامي، وكنا نقدم أنفسنا على أننا شيء سائل لا وجود له ولا يحب أن يتجمد في تجمع وفي تنظيم.» ظل ياسين معترفاً بما كان لدى بعض المحاورين من حرص أكيد على توحيد جهود العمل الإسلامي وإمكاناته في بلاد المغرب وهو الاعتراف الذي يكشف جانباً من أخلاقه خلق الاعتراف بفضل الناس.

بناء جماعة العدل والإحسان

المرحلة الأولى: تأسيس أسرة الجماعة

لم تجد مبادرة الحوار والتنسيق والتوحيد التي قادها باسين رفقة عدد من إخوانه، الاستجابة المأمولة فتوجه إلى إعلان تأسيس أسرة الجماعة سنة 1401 هـ / 1981 لتكون جزءاً من دوحة العمل الإسلامي الناهض من جديد، فكان القرار الموفق ببدء مرحلة جديدة قال عنها ياسين:«وقد آن أن ننزل إلى أرض العمل المُنظم بعد أن مارسنا جهاد الكلمة وحدها ما شاء الله.» كانت مجلة الجماعة نواة اجتمع حولها الرجال والنساء، وكانت لساناً ناطقاً ومعبراً عن مواقف الدعوة الناشئة مثلما كانت صحيفتا الصبح والخطاب، وقد لقيت كلها الحظ الوافر من التضييق والمنع والمصادرة.

بذل ياسين جهوداً كثيرة في بناء نواة الجماعة وتربية رجالها ونسائها على خصال الإيمان والعمل والجهاد مع العناية باعتماد إطار قانوني للعمل الإسلامي - في أبريل 1983 قام ياسين بإيداع القانون الأساسي لجمعية الجماعة الخيرية لدى الإدارة المختصة بمدينة الرباط - ورغم تعسف أجهزة السلطة بالتماطل في قبول ملف التأسيس القانوني لجمعية الجماعة الخيرية فقد واصل ياسين بمعية إخوانه مسيرة بناء أسرة الجماعة، بناء متكامل الحلقات والمجالات التربوية والتكوينية والتنظيمية.

مجال التربية الإيمانية

تتنزل التربية الإيمانية منزلة مركزية في المنهاج النبوي - وهو ثمرة الاجتهاد الفكري لياسين – إذ كان اهتمامه بها واضحاً في جميع مراحل بناء الجماعة عبر تثبيت الجلسات التربوية الأسبوعية، والرباطات الدورية المخصصة للعبادة والتزود بالعلم (الصلاة والصيام والذكر وتلاوة القرآن الكريم) كما كان ياسين مواكباً للسير التربوي داخل الجماعة، حريصاً على المعالجة الحكيمة للاختلالات التربوية لبعض الأعضاء، سواء أكان ذلك على مستوى التصور أم على مستوى السلوك، وفي هذه المرحلة التأسيسية أقيمت ثلاثة رباطات قُطرية بمنزل الأستاذ محمد العلوي في مدينة مراكش:

  • الرباط التربوي الأول: عقد في العطلة الشتوية سنة 1982 مدة ثلاثة أيام، وحظي بزيارة الإمام ومجالسته للمؤمنين المرابطين.
  • الرباط التربوي الثاني: عقد في العطلة الربيعية سنة 1983 مدة ثلاثة أيام، وحظي هذا الرباط كذلك بزيارة الإمام وتوجيهه وإرشاده.
  • الرباط التربوي الثالث: عقد في العطلة الشتوية سنة 1983 وأثناء انعقاده تم اعتقال الإمام من بيته بمدينة سلا.

وبعد دخول اياسين السجن أصبح أعضاء الجماعة في كل مدينة حريصين على عقد رباطاتهم الخاصة.

مجال التحصيل العلمي والتكوين الفكري

بموازاة هذه الرباطات التربوية أكد ياسين على ضرورة العناية بالتحصيل العلمي والتكوين الفكري فعملت مؤسسات الجماعة على تنظيم لقاءات خاصة نذكر منها:

  • الرباط التكويني في المنهاج النبوي: أعقب اعتكاف شهر رمضان صيف 1982 بضيعة السيد إبراهيم الشرقاوي بمدينة الصخيرات، مدته ستة أيام لكل فوج من الأفواج الستة.
  • الرباط التكويني في المنهاج النبوي لمدة خمسة عشر يوماً صيف سنة 1983 أعد مضامينه التكوينية الأستاذان أحمد الملاخ ومحمد بشيري واستفادت منه مجموعتان.

وحظي الرباطان معا بزيارة ياسين وتأطيره وتوجيهه.

مجال التدبير التنظيمي

أمران متلازمان في تربية ياسين لأبناء الجماعة وفي طرق تدبير أمورها وأنشطتها، أولهما تثبيت الأصول التربوية الإيمانية والخط السياسي، وثانيهما تفويض المسؤوليات التنفيذية حرصاً على إعداد القادة وتوسيع التشاور وتقاسم الأعباء التنظيمية والدعوية، وكان ياسين يرفض عضوية من يريد التربية الإيمانية فقط دون المشاركة في العمل الجماعي الجهادي، مثلما كان حريصاً على جميع أبناء الإسلام سائلاً عن أحوال من عرفهم أو زاروه، طالباً ممن يزوره من أبناء الجماعة أن يربطوا الصلة بهم.

إشراف ياسين على مجالس إيمانية تأسيسية

تابع ياسين المُرشد مهمته الدعوية بغرس المعاني الإحسانية في القلوب والحكمة الجهادية في العقول وإرادة الاقتحام في النفوس، فاتخذ خطوات بعقد مجالس منتظمة في بيته الذي لم يكن يخلو يوماً من زيارات فردية وجماعية، ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاء.

مجالس الثلاثاء

بدأت مجالس الثلاثاء سنة 1981 وتوقفت في 1983 وبعد أن دخل ياسين السجن قال للإخوة:«يمكنكم الاستمرار في عقد المجلس، لكنه عقد مرة واحدة فقط. كانت المجالس في البداية مفتوحة لأعضاء الجماعة ولأبناء الحركة الإسلامية الذين كان يخاطبهم بقوله: لا أريد أن تكونوا معي في الجماعة، ليس هذا هو القصد، ولكن أريد أن تنقلوا إلى إخوانكم هذا الخير، لقاء الله ومعرفة الله.» كانت مجالس الثلاثاء مفتوحة بين العشاءين لجميع الزوار من أعضاء أسرة الجماعة وغيرهم، ثم بدأت تحدد معايير حضورها شيئاً فشيئاً، ولم تكن تتوقف إلا مع بداية العطلة الصيفية. وكان المرشد يقرأ مختارات من بعض الكتب في مواضيع ذكر الله والموت والدار الآخرة، وبعد ختم المجلس ينصرف الإخوة إلى بيت أحدهم حيث يتذاكرون في توجيهات الإمام ويقومون الليل ويذكرون الله ليتفرقوا بعيد شروق الشمس.

اللقاء الشهري

بدأ عقد هذا المجلس قبل دخول الإمام المرشد ياسين سجن لعلو في مدينة الرباط، واستمر بقوة وتنظيم أكبر بعد ذلك إلى مرحلة ما قبل فرض الإقامة الإجبارية، كان يحضره حوالي سبعين شخصاً من نقباء الشعب - نقيب الشعبة رتبة تنظيمية ومسئولية تربوية في تنظيم الجماعة - في أسرة الجماعة ومن علاهم في المسئولية التنظيمية ابتداء من صلاة مغرب يوم السبت إلى صباح يوم الأحد، كما كان المرشد يعقد لقاء مع أعضاء الجماعة في كل مدينة صباح الأحد، ويتابع سيرهم التربوي والدعوي ويناقشهم في كيفية علاج مشاكلهم وعوائقهم.

دروس المنهاج

هي أربعون محاضرة ثلاث منها قدمها ياسين في دار الدعوة بمدينة الرباط، ثم جاء قرار المنع والتوقيف فانتقل ياسين إلى بيته بمدينة سلا حيث حضر بعض الناس الذين تعلقوا بها، وقدم الدروس المتبقية باستثناء الدرس الأربعين الذي ألقي في رباط (مجلس إيماني علمي) بمراكش، قدم ياسين لهذه السلسلة بقوله:

الإمام في السجن للمرة الثانية

لم تخل مسيرة أسرة الجماعة من هزات ومحن كان من أبرزها اعتقال ياسين يوم 27 دجنبر 1983 بتهم واهية عقب صدور العدد الأول والأخير من صحيفة الصبح، لكن سبب الاعتقال لم يكن سوى مقال قول وفعل الذي جاء افتتاحيةً للعدد 10 من مجلة الجماعة بتاريخ فاتح رمضان 1402 / يوليوز 1982 والذي انتقد فيه رسالة ملك المغرب التي تحدث فيها عن الإسلام ومستقبله بمناسبة القرن الخامس عشر الهجري وحث رؤساء الدول العربية وزعماءها على فسح المجال لرجال الدعوة الإسلامية حيث كُتب:«من واجب القادة والزعماء أن يفتحوا الطريق أمام رجال الدعوة. هذا ما تقوله وثيقة القرن. وهنا نذكر بكلمة عربية: ألا وإن كذبة المنبر بلقاء! قالها الحجاج عند توليه العراق يهدد بتنفيذ وعيده، وكذلك فعل وزيادة. فكان الوضوح، قالها خبيث الأمة … وكان واضحا على خبثه. أما رسالة القرن فهي طافحة بالوعود المعسولة للإسلام والمسلمين، فما وراء السطور؟ نريد الوضوح! أين الفعل من القول؟.»

قال ياسين مؤكداً سبب اعتقاله وإيداعه السجن:«أخبرت فيما بعد، من مصادر مطلعة عما يجري وراء الستائر، أن السبب الحقيقي لاعتقالي يومئذ هو ما كنت كتبته في مجلة الجماعة بعنوان قول وفعل وتعرضت في هذه المقالة لنقد شامل كامل للإسلام الرسمي. كانت صدرت في ذلك العهد بمناسبة بزوغ القرن الخامس عشر الهجري، فيكون هذا في سنة 1981 من تاريخ النصارى [1401هـ]، كنت كتبت هذه المقالة أتعرض فيها للرسالة الملكية، رسالة القرن كما سميت، والتي يقال فيها، ويعلن فيها نية الحكم لتجديد الإسلام وإفساح المجال للدعاة إلى آخر ما في قاموس الإسلام الرسمي. صدرت مقالتي هذه في مجلة الجماعة مواكبة للجوقة الرسمية التي كانت تبشر بالعهد الجديد، بعهد التجديد الإسلامي على يد النظام إلى آخر ما في ذلكم.

فاعتقالي لم يكن بأي حال سببه ظهور جريدة الصبح، وإنما كان مسح هذه الاعتقالات في جريدة الصبح وفي أنها تسب وزير الصحة تغطية للسبب الحقيقي وهو هذا المقال الذي انتقد رسالة القرن، والدليل على ذلك أنه في الاستنطاقات البوليسية والمحاكمة، كان السؤال يوجه إلي عن سبب ذكري لكلمة الجهاد وماذا أقصد بالجهاد، ولماذا نشرت في الصبح صورة مجاهد أفغاني مسلم، وتقصدون بالجهاد كذا أو كذا، وهل تريدون انقلابا، هل تريدون عنفا … فالحقيقة التي كانوا لا يستطيعون أن يجهروا بها هو أنهم يومئذ لم يكونوا على استعداد ليسمعوا نأمة في المغرب باسم إسلام حر لا يخضع للنظام ولا يسير في ركاب الإسلام الرسمي.»

والأكيد أن سجن ياسين للمرة الثانية كان منعطفاً جديداً في مسيرة أسرة الجماعة إذ لم يكن معتاداً ولا مقبولاً لدى من صحبوه أن يجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة مسؤولية ثقيلة، هي تحمل أعباء تربية المؤمنين والمؤمنات وتنظيم الجهود والطاقات والتحفيز على مهمات الجهاد واقتحام العقبات، ففي الأيام الأربعة الأولى لم يكن مكان اعتقال ياسين معروفاً ولما حُدد موعد محاكمته، وكان بعد خطاب شهير للحسن الثاني سنة 1984 حضر أعضاء الجماعة فتم اعتقال اثنين وسبعين عضواً منهم أعضاء عائلة الإمام (ابنه المهندس كامل ياسين – كان دون العشرين يومها – وصهره الأستاذ عبد الله الشيباني) وفي المحاكمة الموالية بعد أسبوع تم اعتقال أكثر من سبعين عضواً، كان سجن ياسين سبباً مباشراً لدعم حضور الدعوة الجديدة التي بدأت تحظى باهتمام بعض وسائل الإعلام منها إذاعة لندن ومجلة المجتمع الكويتية وجرائد أخرى محلية كما زاد انتشار الجماعة في مدن كثيرة ومناطق نائية.

أما زيارة ياسين في سجن لعلو بمدينة الرباط فكانت في البداية ممنوعة ثم أبيحت – من وراء القضبان - ثلاث مرات في الأسبوع: يوم الخميس صباحاً ومساء، ويوم السبت صباحاً وكانت متاحة لأعضاء الجماعة ذكوراً وإناثاً، وفي بعض الأحيان كان يفرد المؤمنات بزيارة خاصة، وأما أحاديثه للزائرين والزائرات فكانت تنضح بمعاني الحيوية والنورانية واليقين إذ ظلت تمتح من معين تدبر آيات القرآن الكريم وشرح معاني الأحاديث النبوية ومما أُثر عنه قوله:«إذا رأيتم مسؤولي الدولة يفرشون لكم الزهور، فعليكم أن تتركوا هذه الطريق، فهي ليست طريق السنة النبوية.»

وظل ياسين داخل السجن وفياً للقرآن إذ كان يختمه يومياً في جلسة واحدة طوال الأشهر الستة الأولى، وكان منصرفاً إلى الذكر والقيام والصيام ومطالعة الكتب والتأليف؛ فقد ألف في هذه المرحلة ثلاث كتب هي : مقدمات في المنهاج وكتاب الإسلام والقومية العلمانية وكتاب الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية وحينما خرج من سجن لعلو يوم 31 دجنبر من سنة 1985 قال:«الآن ستدخل الجماعة في مياه جديدة.» ولشدة اهتمامه بأمر الدعوة واشتياقه إلى مجالسة إخوانه عامة وأعضاء مجلس الإرشاد خاصة أمضى بصحبتهم الليل كله مدارسة وتناصحاً، وبعد مضي شهر وعشرين يوماً استكمل ياسين بمعية إخوانه بناء المؤسسات التنظيمية للجماعة المنصوص عليها في كتابه المنهاج النبوي: تربية وتنظيماً وزحفاً وعلى رأسها تأسيس مجلس التنفيذ القطري الذي ضم خمس لجان هي لجنة الطلبة ولجنة الترشيد ولجنة الإعلام واللجنة الاجتماعية ولجنة تنظيم اللقاءات وظل الأستاذ المُرشد حاضراً ومواكباً لعمل المجلس في دوراته الأربع من 1986 إلى 1989 والذي استمر عمله حتى في مرحلة الإقامة الإجبارية.

المرحلة الثانية: جماعة العدل والإحسان

بعد تشاور واسع وتداول بين مسؤولي الجماعة بشأن تغيير الاسم والشعار كتب ياسين رسالته لأعضاء الجماعة ولعامة المؤمنين والمؤمنات في ذي الحجة عام 1407هـ الموافق يوليوز 1987 ذكر فيها بمبادرة الحوار والتنسيق بين العاملين للإسلام وبأسباب إطلاق اسم أسرة الجماعة وبموقع الجماعة من الدعوة، وبأن همها هو تبني أم القضايا وأبيها في الدين والدنيا في الدعوة والدولة في المصير السياسي والمصير الأخروي ألا وهما قضيتا العدل والإحسان]]، قال ياسين:«إننا نستخير إلى الله العلي القدير، إخوتي وأخواتي، أن نتخذ لأنفسنا قضيتي العدل والإحسان اسماً وشعاراً يلخص برنامجنا بعدما بسط المنهاج مبادئ الإسلام ومقتضيات الإيمان والإحسان.»

المتأمل لمسيرة بناء جماعة العدل والإحسان يلاحظ أبرز الأسس التي أولاها الإمام عبد السلام ياسين عنايته الكريمة، وجعلها موضع جهاده واجتهاده:

  • ترسيخ معاني السلوك والترقي في مدارج الإسلام والإيمان والإحسان، تقرباً دائماً إلى الله بجميع الأقوال والأعمال.
  • توجيه أبناء الجماعة إلى الجمع بين طلب وجه الله والاستعداد للدار الآخرة، وبين العمل لعزة الأمة بإخراجها من مراحل الملك العاض والجبري إلى مرحلة الخلافة على منهاج النبوة.
  • العناية بتربية المؤمنات على معاني طلب الكمال الإيماني والعلمي والخلقي، وعلى تعزيز صف الدعوة المجاهدة بتحصين الفطرة ورعاية الأسرة وتقاسم أعباء الجهاد الشامل مع المؤمنين.

استمرت جهود ياسين في هذه المرحلة على واجهات متعددة تربوية وتنظيمية وإعلامية وسياسية مما دفع أصحاب القرار السياسي بالمغرب إلى تطوير أساليب الحصار، فتم تشديد مراقبة أجهزة الأمن لحركة ياسين ونشاطه، بل فرض الإقامة الإجبارية يوم 30 دجنبر 1989 بمحاصرة بيته في مدينة سلا ومنعه من مغادرته واستقبال أقاربه وضيوفه وزواره ومحبيه.

المصدر: wikipedia.org