English  

كتب حروب الردة

اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.

عرض المزيد

حروب الردة (معلومة)


حُرُوْبُ الرِّدَّةِ هي سلسلةٌ من الحملات العسكريَّة التي شنَّها المُسلمون على القبائل العربيَّة التي ارتدَّت عن الإسلام بعد وفاة الرسول مُحمَّد، خِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 11هـ و12هـ، المُوافقة لسنتيّ 632م و633م. وقد ارتدَّ العرب في كُلِّ قبيلةٍ، باستثناء أهالي مكَّة والمدينة المُنوَّرة والطائف والقبائل التي جاورتها، وقد وُصفت هذه الحركات من الناحية السياسيَّة بأنَّها حركاتٌ انفصاليَّة عن دولة المدينة المُنوَّرة التي أسَّسها الرسول مُحمَّد وعن قُريش التي تسلَّمت زعامة هذه الدولة بِمُبايعة أبي بكرٍ الصدِّيق بِخلافة المُسلمين. وهي عودةٌ حقيقيَّةٌ إلى النظام القبلي الذي كان سائدًا في الجاهليَّة، وقد اتسمت من ناحية بالاكتفاء من الإسلام بالصلاة، والتخلُّص من الزكاة التي اعتبرتها هذه القبائل إتاوة يجب إلغاؤها. في حين اتسمت من ناحيةٍ ثانية بالارتداد كُليًّا عن الإسلام كنظامٍ سياسيّ، وليس إلى الوثنيَّة التي ولَّت إلى غير رجعة، والالتفاف حول عددٍ من مُدعي النُبوَّة بدافعٍ من العصبيَّة القبليَّة ومُنافسة قُريش حول زعامة العرب.

وهذا يعني أنَّ الرِّدَّة كانت حركةً سياسيَّةً تعتمدُ على العصبيَّات القبليَّة، ما يُمثلُ عودةً إلى نظام القبيلة وإلى استرجاع مُلكٍ أو سُلطانٍ فقده البعض، وقد اتخذت هذه الحركة قناعًا زائفًا من الدين لِتستقل عن سُلطة المدينة المُنوَّرة، فكان لا بُدَّ من الصِّدام المُسلَّح العنيف بينها وبين الإسلام، وعلى هذا الأساس كانت حُرُوبُ الرِّدَّة دعوةً صريحةً للجهاد في سبيل الله، وقد حمل أبو بكر لواء الجهاد ضدَّ القبائل الانفصاليَّة ومُدعي النُبوَّة، فجهَّز الألوية العسكريَّة وسلَّم قيادتها إلى عددٍ من القادة المُسلمين أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل، وسيَّرهم إلى معاقل تلك القبائل حيثُ قاتلوهم بضراوةٍ شديدةٍ وقضوا على حركاتهم، فعاد أغلب زُعمائهم ومشايخهم إلى الدُخول في الإسلام، وقُتل بعضهم الآخر في أرض المعركة. وبانتهاء حُرُوبِ الرِّدَّة، توحَّدت كامل شبه الجزيرة العربيَّة تحت راية الإسلام، وأصبح بإمكان المُسلمين أن يُركزوا على التوسُّع خارجًا في الشَّام والعراق على حساب الروم البيزنطيين والفُرس الساسانيين.

كذلك، كان من نتيجة هذه الحُرُوب أن أمر أبي بكرٍ الصدِّيق بِجمع القُرآن لِأوَّل مرَّة وفق عامَّة الروايات عند أهل السُنَّة والجماعة، وذلك بعد أن استشار عُمر بن الخطَّاب، وأن الذي قام بهذا الجمع زيد بن ثابت، أمَّا سبب قرار جمع القُرآن بين دفَّتي كتاب فكان كثرة من قُتل من الصحابة من حفظة القُرآن في المعارك التي دارت مع القبائل المُرتدَّة. وفي هذا المجال قال أبو بكر: «قُلتُ لِعُمَرَ: "كَيفَ أَفعَلُ شَيئًا لَم يَفعَلَهُ رَسُولُ الله ؟" فَقَالَ عُمَر: "هُوَ واللهِ خَيرٌ"، فَلَم يَزَل عُمَر يُرَاجِعَنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدرِي». وهكذا، أخذ زيد يتتبع القُرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال فجمع القرآن كله في مُصحف، فكانت هذه الصُحف عند أبي بكرٍ الصديق حتى تُوفي ثم عند عُمر حتَّى مات ثم عند حفصة بنت عمر.

الرِّدَّة لُغةً واصطلاحًا

    كانت مُواجهة المُسلمين مع أولى جُيوب الرِّدَّة في منازل بني أسد ببُزاخة، حيثُ اتَّجه خالد بن الوليد على رأس جيشٍ بلغ تعداد أفراده أربعة آلاف مُقاتل، أقلُّهم من المُهاجرين، وأكثرهُم من القبائل القريبة من المدينة وبعضُ بني كِنانة، وكان فيهم من الأنصار ما بين أربعمائة إلى خُمسُمائة مُقاتل بِقيادة ثابت بن قيس، وحمل أبو لبابة رايتهم. عسكر جيشُ طُليحة في سميراء، وانضمَّت إليه فُلول عبس وذِبيان الذين هزمهم أبو بكر، كما انحازت إليه قبائل غطفان وسُليم ومن جاورهم من أهل البادية في شرق المدينة وفي شمالها الشرقيّ، وحاول استقطابُ طيء للانضمام إليه، عن طريق الحِلف الذي كان بينهم وبين بني أسد، في الجاهليَّة، فتعجَّل أقوام من جُديلة والغوث وهُما من طيء بالانضمام إليه، وأوصوا من تأخَّر باللِحاقِ بهم. واشتدَّ ساعدُ طُليحة حتَّى ظنَّ أنهُ لن يُغلب، ونقل مُعسكرهُ من سميراء إلى بُزاخة، الأكثر مناعة، استعدادًا لِمُواجهةٍ مُحتملةٍ مع المُسلمين. وأمر أبو بكر خالدًا أن يبدأ بطيء قبل أن يتوجَّه إلى البُزاخة، وبعث عُدي بن حاتم الطائيّ، وهو أحد الأشخاص الذين ثبتوا على إسلامهم، حتَّى يُدرك قومه طيء ويُحاول إخراجهم من التحالف مع طُليحة، والعودة بهم إلى طاعة المدينة. ونجح عُديٌّ في مُهمَّته، لكن كان على طيء أن تسحب قُوَّاتها الموجودة في مُعسكر طُليحة خشية أن يقتُلهم أو يرتهنهم، فطلبوا من عُدي أن يكُفَّ خالدًا عنهم حتَّى يستخرجوهم. استحسن خالد هذا العرض، وأمهلهم ثلاثة أيَّام، مُدركًا في الوقت نفسه أنَّ من شأن ذلك أن يُكسبه قُوَّةً إضافيَّةً، ويُضعِفُ من قوَّةِ خصمه. وطلب القوم من إخوانهم في البُزاخة أن يعودوا إلى منازلهم لِيُساعدوهم في التصدّي لِزحف المُسلمين، وسمح لهم طُليحة بالعودة، فانضمَّ بذلك خُمسُمائة مُقاتلٍ من الغوث إلى صُفوف المُسلمين. ارتحل خالد بعد ذلك إلى الأنسر يُريد جُديلة، فتدخَّل عُدي بن حاتم أيضًا، وأقنع الجُديليين بالعودة إلى حظيرة الإسلام. ويبدو أنَّ انضمام الغوث إلى المُسلمين، شكَّل دافعًا لِهؤلاء لِتغيير موقفهم، وانضمَّ خُمسُمائة مُقاتلٍ منهم إلى صُفُوف خالد، فأضحى عدد جُنوده خمسة آلاف، كما انضمَّت سُليم إلى صُفوف المُسلمين، وكانت لا تزال مُتردِّدة إلى أن زحف خالد نحو بني أسد فخشيت على نفسها.

    والواقع أنَّ بعض القبائل التي صنَّفها المؤرخون في عِداد المُرتدين مثل طيء، كانت في الحقيقة ضحيَّة مزيجٍ من عدَّة مشاعرٍ تفاعلت في أبنائها نتيجة عدم تجذُّر العقيدة الإسلاميَّة في قلوبهم، بالإضافة إلى وُقوعهم تحت تأثير التقاليد الجاهليَّة وأفكارها، ثُمَّ ارتباطهم بِروابط الأحلاف وحُسن الجِوار مع قبائل أُخرى، هذا فضلًا عمَّا رأوه في بعض أحكام الإسلام من تضييق على حُريَّتهم، وانتقاص من سطوتهم، وتحمُّلهم أعباء هُم في غنى عنها، ومثل هؤلاء، كانوا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الإقناع والموعظة الحَسَنة، والتَّعريف بِأحكام الإسلام وأهدافه، ويتعذَّر تحقيق ذلك في بضع سنين. ومهما يكُن من أمر، فقد بلغت أنباء التحوُّلات الجديدة طُليحة في البُزاخة، فاغتمَّ، لكنَّهُ أصرَّ على موقفه، وشجَّعهُ عُيينة بن حِصن الفرازي الذي كان يكنُّ الحِقد على أبي بكر والمُسلمين. وبثَّ طُليحة العُيون على فِجاج الصحراء حتَّى لا يؤخذ على غرَّة، وعلِم منهم بِزحف المُسلمين قبل أن يصلوا إلى بُزاخة. فعبَّأ قُوَّاته استعدادًا للمُواجهة، ووضع خطَّةً عسكريَّةً قائمة على الغَلَبة، والفِرار في حال الهزيمة. فعزل مُعظم النساء في مكانٍ أمين لئِلَّا يقعن في السبي إذا دارت الدائرةُ عليه، وأحاط نفسه بِأربعين فارسًا من أشد فتيان بني أسد. فاق جيشُ طُليحة جيش المُسلمين عددًا بألف مُقاتلٍ أو أكثر، كما توفَّر لديه الكثير من السلاح والركائب، وكانت البلادُ حيثُ يُعسكر هي دياره، فكان يشعرُ بالرَّاحة عكس الجيش الإسلامي الذي كان على أفراده أن يُقاتلوا بعد سير مئات الأميال في الأودية والجِبال.

    التفت قيس وبنو أسد حول طُليحة، واستعدّوا للقِتال. فأشارت جماعةٌ من طيء على خالد أن يُحارب قيسًا ويعدل عن بني أسد، وذلك لِحلفٍ كان بينهم في الجاهليَّة. عارض عُديّ بن حاتم الطائيّ هذا التوجُّه، وكان خالد حريصًا على ألَّا يسمح لأيِّ انشقاقٍ يحصل داخل صُفوف قُوَّاته، فهو بحاجةٍ إلى كُلِّ مُقاتل، نظرًا لِشدَّة بأس عدُوِّه الذي يُحاربُ على أرضه، فأقنع عُديًّا بِمُجاراة قومه. وهكذا قاتلت طيء قيسًا، وقاتل سائر المُسلمين بني أسد. والتحم الجيشان في رحى معركةٍ ضارية انتهت بانتصار المُسلمين. وانفضَّ الفرازيّون عن طُليحة بعد أن اكتشفوا أنَّه كاذب، فطاردهم المُسلمون يقتُلونهم ويأسرونهم، وكان عُيينة سالِف الذِكر من بين الأسرى. ولاذ طُليحة بالفِرار حتَّى النقع من منازل كلب على تُخوم الشَّام، وقُتل من جيشه خلقٌ كثيرٌ، وعاد من بقي عن رِدَّته. وعندما علِم طُليحة بتحوُّل كفَّة الصِراع إلى جانب المُسلمين، وبلغه ما لقيت أسد وغطفان من الشدَّة، وعودة من ارتدَّ منهم إلى الإسلام، أسلم وحسُن إسلامه بعد ذلك، واشترك في معركة القادسيَّة إلى جانب المُسلمين، وكانت نهايته في معركة نهاوند، عندما سقط في ساحة القِتال مع من سقط من الطرفين.

    بعد انتصار خالد بن الوليد، كتب إليه أبو بكر الصدّيق يدعوه إلى الاستمرار بحرب أهل الرِّدَّة، وأن لا يتساهل معهم، وخاصَّةً الذين نكَّلوا بالمُسلمين وعذبوهم. وعلى هذا الأساس، أقام خالد بن الوليد حوالي الشهر في بُزاخة، نفَّذ خلالها عمليَّاتٍ عسكريَّةٍ ضدِّ فُلول المُرتدين. وهكذا عاد بنو عامر وسُليم وهوزان عن رِدَّتهم. وطلب منهم خالد تسليمه الذين قتلوا المُسلمين ومثَّلوا بهم أثناء رِدَّتهم، فلمَّا جيء بهم عفا عن المُقاتلين العاديين، وأرسل الزُعماء إلى المدينة، وكان من بينهم قُرَّة بن هُبيرة القشيري صاحب رِدَّة بني عامر، وعُيينة بن حِصن الفرازي، وقتل الذين عدوا على المُسلمين. وعفا أبو بكر بدوره عن قُرَّة وعُيينة سالِفا الذِكر بعد أن تابا، كما عفا عن علقمة بن عُلاثة الكلبي، لكنَّه أمر بإعدام بُجير بن عبد الله السلمي، نتيجة ما اقترفت يداه من العدوان والقتل بحق المُسلمين. وخِلال تلك الفترة، كان بعضُ أصحاب طُليحة ومن معهم من الرجال قد التفّوا حول امرأة تُدعى سلمى بنت مالك الفرازيَّة، وتُكنى «أُم زمل» لها ثأرٌ عند المُسلمين بسبب مقتل والدتها أُم قرفة في العهد النبويّ على يد زيد بن حارثة حين اجتاح بني فزارة، فخرج إليها خالد وهزمها وجيشها وقتلها وأرغم أتباعها على الفِرار.

    قتال بني تميم

    بعد أن انتهى خالد من القضاء على حركة الرِّدَّة في الشمال الشرقي لِشبه الجزيرة العربيَّة، سار إلى بطاح بني تميم في شهر شعبان سنة 11هـ، المُوافق فيه شه

    المصدر: wikipedia.org