اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.
أبو نصر محمد الفارابي هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي. ولد عام 260 هـ/874 م في فاراب في إقليم تركستان (كازاخستان حاليًا) وتوفي عام 339 هـ/950م. فيلسوف مسلم اشتهر بإتقان العلوم الحكمية وكانت له قوة في صناعة الطب.
ولد الفارابي في مدينة فاراب، ولهذا اشتهر باسمه. نسبة إلى المدينة التي عاش فيها. كان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجوّل بين البلدان وعاد إلى مدينة دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل إليه في إدخال مفهوم الفراغ[؟] إلى علم الفيزياء. تأثر به كل من ابن سينا وابن رشد.
تنقّل في أنحاء البلاد وفي سوريا، قصد حلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني فترة ثم ذهب لدمشق وأقام فيها حتى وفاته عن عمر يناهز 80 عامًا ودفن في دمشق، ووضع عدة مصنفات وكان أشهرها كتاب حصر فيه أنواع وأصناف العلوم ويحمل هذا الكتاب اسم إحصاء العلوم.
سُمّي الفارابي "المعلم الثاني" نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية.
عكف في مسقط رأسه على دراسة طائفة من مواد العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة واللغات وعلى الأخص التركية وهي لغته الأصلية بجانب معرفته للغات العربية والفارسية واليونانية.
ثم خرج من بلده حوالي سنة 310 هـ، وهو يومئذ يناهز الخمسين، قاصداً العراق، حيث أتم دراساته. فيما بدأ فيه في مسقط رأسه وأضاف إليه مواد أخرى كثيرة، فدرس في حرّان[؟] الفلسفة والمنطق والطب على الطبيب المنطقي المسيحي يوحنا بن حيلان، ودرس في بغداد الفلسفة والمنطق على أبي بشر متى بن يونس، وهو مسيحي كان حينئذ من أشهر مترجمي الكتب اليونانية ومن أشهر الباحثين في المنطق، ودرس في بغداد كذلك العلوم اللسانية العربية على ابن السراج، وأتيح له فيها أيضاً دراسة الموسيقى وإتمام دراساته في اللغات والطب والعلوم والرياضيات، ولا غرابة أن يتتلمذ في هذه السن المتقدمة، فقد كان دأب العلماء في هذه العصور، يطلبون العلم من المهد إلى اللحد. كان الفارابي مولعاً بالأسفار في طلب العلم ونشره والإحاطة بشئون الجماعات، فانتقل من العراق إلى الشام حوالي سنة 330 هـ حيث اتصل بسيف الدولة بن حمدان الذي عرف له فضله، وأكرم وفادته، وعاش في كنفه منقطعاً إلى التعليم والتأليف، وكان في أثناء إقامته بالشام يتنقل بين مدنها وخاصة بين حلب (عاصمة الحمدانيين) ودمشق التي كانت في حوزتهم تارة وتخرج أخرى، وقد سافر مرة من الشام إلى مصر، وكان ذلك على الراجح سنة 338 هـ ثم رجع منها إلى دمشق حيث توفي سنة 339 هـ.
وقد آثر الفارابي حياة الزهد والتقشّف فلم يتزوج، ولم يقتنِ مالاً، ولم يشأ أن يتناول من سيف الدولة إلا أربعة دراهم في اليوم - كما يذكر كثير من الرواة - ينفقها فيما احتاج إليه من ضروري العيش، وقد اكتفى بذلك قناعة منه، وكان في استطاعته وهو الأثير عند الملك الجواد سيف الدولة بن حمدان أن يكتنز الذهب والفضة ويقتني الضياع، ويروى أنه قد بلغ به التقشّف أنه كان يسهر الليل للمطالعة والتصنيف مستضيئاً بقنديل الحارس، لأنه لم يكن يملك قنديلا خاصاً، وأنه قد بقي على ذلك أمداً طويلا.
وكان يؤثر العزلة والوحدة ليخلو إلى التأمّل والتفكير، وكان طول مدة إقامته بدمشق، كما يقول ابن خلكان في «وفيات الأعيان» يقضي معظم أوقاته في البساتين وعلى شواطئ الأنهار، فلا يكون إلا عند مشتبك رياض، حيث يؤلف بحوثه ويقصد إليه تلاميذه ومساعدوه.
ورغم أن الفارابي كان يتّبع مذهب أرسطو في المنطق، إلا أنه تضمّن عددًا من أفكار المذاهب الأخرى في كتاباته. فقد ناقش قضية الاحتمالات المستقبلية، ونظرية الأعداد والمجموعات، والعلاقة بين المنطق والنحو، وأساليب الاستدلال غير التابعة لأرسطو. وكذلك ينسب إليه تقسيم علم المنطق إلى صنفين: الأول هو «الفكرة»، والآخر هو «البرهان».
وكذلك ناقش الفارابي نظريات الأقيسة الشرطية، والاستدلال التشبيهي، واللتان ينتميان إلى أصول الفلسفة الرواقية. وأضاف أيضًا إلى أصول المذهب الأرسطي مفهوم القياس الشاعري، وذلك في أحد تعليقاته على كتاب أرسطو «فن الشعر».
وألّف الفارابي كتابًا عن الموسيقى بعنوان «كتاب الموسيقى الكبير». وفيه يشرح المبادئ الفلسفية المتعلقة بالموسيقى، وخواصها العامة، وتأثيرها. وكذلك ناقش في إحدى مقالاته مفهوم العلاج بالموسيقى والآثار الشفائية للموسيقى على الروح.
وبصفته فيلسوفًا، فقد أسّس الفارابي مذهبه الخاص في الفلسفة، وهو يعد من أوائل المذاهب الفلسفية في العالم الإسلامي، وقد عرف باسم «الفارابية»، ولكن تضائلت شعبيته بعد قدوم مذهب ابن سينا. وقد قيل عن مذهب الفارابي أنه «انسلخ من مدرسة أرسطو وأفلاطون، وانتقل من الميتافيزياء إلى المنهج العلمي، وهي نزعة تستبق الحداثة. وعلى مستوى الفلسفة، فقد وحّد الفارابي بين النظرية والتطبيق، وعلى صعيد السياسة فقد حرر التطبيق من قيود النظرية. وتحتوي معتقداته الأفلاطونية المستحدثة على ما هو أعمق من الميتافيزياء، ففي محاولاته لاستقصاء وجود المسبّب الأولي، واجه الفارابي حقيقة قصور المعرفة البشرية».
وقد كان لأعمال الفارابي تأثيرًا عظيمًا على العلوم الطبيعية والفلسفة لعدة قرون، فقد نعته الكثيرون بكونه أعلم الناس في زمانه بعد أرسطو (ويشير لقب المعلم الثاني إلى ذلك). وقد مهدت أعماله - التي تسعى إلى التوحيد بين الفلسفة والتصوف - الطريق أمام أعمال ابن سينا.
وكتب الفارابي تعليقات على أعمال أرسطو، ومن بين أبرز أعماله «آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها» والذي اقترح فيه تصورًا عن الولاية المثالية، كما فعل أفلاطون في «الجمهورية». وقال الفارابي أن الأديان توصل الحقائق لعامة الناس في صورة رموز وحكايات. ورأى كذلك أنه من واجب الفيلسوف أن يقدّم النصيحة والتوجيه إلى الولاية، وكذلك كان يرى أفلاطون. وتضمن الفارابي منظور أفلاطون في كتاباته، واشتق منه وجهة نظر موازية ومتوافقة مع السياق الإسلامي، حيث رأى أن مدينته الفاضلة يجب أن يحكمها نبي إمام، عوضًا عن الملك الفيلسوف الذي كان في مخيلة أفلاطون. فمن الواضح إذن أن المدينة الفاضلة في نظر الفارابي هي المدينة المنورة حينما كان يحكمها النبي محمد بصفته ولي عهد المسلمين، وهو على تخاطب مستمر مع الله حيث يبلغه من آن إلى آخر بأحكامه وقوانينه.
وقد كتب الفارابي مقولة قصيرة باسم «الخلاء»، وفيها ناقش ماهية الفراغ. ومن المرجح أيضًا أنه قام بأول تجربة علمية للتحقق من وجود الفراغ، حيث قام بدراسة سلوك المكابس المغمورة في الماء. ومن ثم توصّل في استنتاجاته إلى أن الهواء دائمًا ما يتمدد حتى يملئ الفراغ الموجود، وعليه رأى أن فكرة وجود الفراغ غير منطقية.
وعنه كتب الفارابي مقولتين: «علم النفس الاجتماعي»، و«مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة»، وهما أول ما كتبه عن علم النفس الاجتماعي. فقد قال أنه «ليس بوسع المرء أن يبلغ الكمال كله بوحده، إلا بعون غيره من الأفراد. فالمرء بطبعه يميل إلى أن يتعاون مع غيره من الناس حتى يؤدّي ما عليه أن يفعله.» واختتم قوله بـ «فحتى يقرب المرء من الكمال المنشود، عليه أن يظل بالقرب من غيره من الناس وأن يقترن بهم حتى ينال منهم عونهم.»
النص الأصلي: «وكل واحد من الناس مفطور على أنه محتاج، في قوامه، وفي أن يبلغ أفضل كمالاته، إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلها هو وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء مما يحتاج إليه. وكل واحد من كل واحد بهذه الحال. فلذلك لا يمكن أن يكون الإنسان ينال الكمال، الذي لأجله جعلت الفطرة الطبيعية، إلا باجتماعات جماعة كثيرة متعاونين، يقوم كل واحد لكل واحد ببعض ما يحتاج إليه في قوامه؛ فيجتمع، مما يقوم به جملة الجماعة لكل واحد، جميع ما يحتاج إليه في قوامه وفي أن يبلغ الكمال.»
وفي الفصل الرابع والعشرين من كتاب المدينة الفاضلة (بعنوان «القول في سبب المنامات») ميّز الفارابي بين تفسير الأحلام، وبين طبيعتها وأسبابها.
وقد تأثّرت فلسفة الفارابي بصفة خاصة بالمذهب الأرسطي المحدث الغالب على الإسكندرية. ويتسم الفارابي بغزارة كتاباته، حيث نُسب إليه ما يزيد عن مائة كتابة. ومن بينها كتابات تمهيدية عن الفلسفة بصفة عامة، وتعليقاته على أعمال أرسطو (مثل «علم الأخلاق إلى نيقوماخس» نسبة إلى ابن أرسطو نيقوماخس) بالإضافة إلى أعماله الخاصة. وتتسم كتاباته بالإتساق والترابط المنطقي، رغم أنها مشتقة من عدة مدارس ومذاهب فلسفية. وكذلك تأثر الفارابي بنموذج الكواكب والشمس لبطليموس، وعناصر الأفلاطونية المحدثة، وبالتحديد موقفها من الميتافيزياء والفلسفة العملية أو السياسية (والتي هي أقرب إلى «الجمهورية» لأفلاطون منها إلى «السياسة» لأرسطو).
وقد لعب الفارابي دورًا حيويًا في انتقال أفكار أرسطو من اليونان القديمة إلى الغرب المسيحي في العصور الوسطى، وذلك ما نراه في ترجمة تعليق الفارابي على «العبارة» لأرسطو إلى اللغات اللاتينية. وقد تأثر موسى بن ميمون (وهو يعد أهم مفكري اليهود في العصور الوسطى) بالفارابي بدرجة عظيمة. فمن بين كتاباته الشهيرة «مقالة في فن المنطق»، وفيها أوجز موسى بأسلوب بارع أصول منطق أرسطو في ضوء تعليقات الفيلسوفين الفارسيين: ابن سينا، وبالطبع الفارابي. وأكّد الكاتب ريمي براغ حقيقة أن الفارابي هو المفكر الوحيد الذي تعني به تلك المقالة.
ويعد كلًا من الفارابي وابن سينا وابن رشد من أتباع المدرسة المشائية أو الاستدلالية. إلا أن الفارابي في كتابه «الجمع بين رأيي الحكيمين» حاول أن يجمع بين كل من المذهب الأرسطي والأفلاطوني.
وطبقًا لأدامسون، فإن الهدف الواحد الأوحد التي توجهت كتابات الفارابي نحوه هو إعادة إحياء واستحداث المدرسة الإسكندرية في الفلسفة آنيًا، والتي كان ينتمي إليها معلمه المسيحي يوحنا بن حيلان. ويشهد اللقب التشريفي الذي عرف به (المعلم الثاني) على نجاحه في ذلك. وذكر أدامسون أيضًا أن الفارابي لم يذكر مطلقًا أي شئ عن أفكار الكندي، أو أبو بكر الرازي الذي عاصره، مما قد يدل على أن الفارابي لم يعتقد بصحة مناهجهم.
بلغت مؤلفات الفارابي من الكثرة ما جعل المستشرق الألماني ستينشنيدر يخصص لها مجلداً ضخماً. ولكن لم يصل إلينا حالياً من هذه المؤلفات إلا أربعون رسالة، منها اثنتان وثلاثون رسالة وصلت إلينا في أصلها العربي، وست رسائل وصلت إلينا مترجمة إلى العبرية، ورسالتان مترجمتين إلى الاتينية.
وقد طبع نصف مؤلفاته التي وصلت إلينا في أصلها العربي في ليدن وحيدر آباد والقاهرة وبيروت وغيرها، ولا يزال باقيها مخطوطاً.
إيمانه بوحدة الحقيقة كان يعتقد أن الحقيقة الطبيعية الفلسفية واحدة وليس هناك حقيقتان في موضوع واحد بل هناك حقيقة واحدة وهي التي كشف عنها أفلاطون وأرسطو، وبرأيه أن كل الفلسفات التي تقدم منظومة معرفية ينبغي أن تحذو حذو أفلاطون وأرسطو. ولكن بين أفلاطون وأرسطو تناقض أساسي وكان الفارابي يعتقد أن فلسفة أفلاطون هي عين فلسفة أرسطو ووضع كتاب (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو) أفلاطون وأرسطو كلاهما يبحثان في الوجود من جهة علله الأولى، وعند أفلاطون الوجود والعلل الأولى هي (المثل) وأرسطو (العلل الأربعة) ولكن الفارابي كان يعتقد في كتابه أنه لا فرق وحاول أن يوفق بين الفيلسوفين وقدم مجموعة من الأدلة ليقول أن هؤلاء كشفا الحقيقة وكل من جاء بعدهما يجب أن يحذو حذوهما.
نظريته في الوجود، وهنا تبدو النظرية التي تسمى بالصدور والفيض وهي أبرز ما يميز الفارابي فهو يميز بين نوعين من الموجودات:
هنالك موجودات ممكنة الوجود كثيرة، لكن موجود واحد واجب الوجود. الموجود الممكن الوجود: الموجود الذي متى فُرِض موجودا أو غير موجود لم يعرض منه محال. يعني وجوده أو عدم وجوده ليس هناك ما يمنع ذلك. لكن إذا وجدت لابد لها من علة وكل الموجودات التي تحقق وجودها حوادث. الموجود الواجب الوجود: الموجود الذي متى فرضناه غير موجود عرض منه (الهاء تعود على الفرض) محال. يعني لا يمكن إلا أن يكون موجودا وهو في المصطلح الديني (الله) فنحن لا يمكن أن نقول الله ليس موجود؛ لأنه لا يمكن لنا أن نقول بعد أن قلنا الله ليس موجود كيف وجد العالم. (مؤيس الأيسات عن ليس) تعني موجود الموجودات من العدم (أليس أي أوجد). س/ لا نستطيع أن نفهم كيف وجدت الموجودات الممكنة عن واجب الوجود؟ وكان جواب الكندي هو (مؤيس.....) أما الفارابي يقول أن واجب الوجود طبيعته عقل محض واحد من كل الجهات جوهر عقل محض يعقل ذاته وموضوع تعقله هو ذاته، خلافا لنا نعقل ذاتنا ونعقل أيضا الموجودات الطبيعية ولكن واجب الوجود عند الفارابي يعقل ذاته فقط ويقول الفارابي أنه من تعقله لذاته يفيض عنه عقل أول، يكفي أن يعقل واجب الوجود ذاته حتى يصدر عنه عقل أول أي فعل التعقل فعل مبدع يصدر على سبيل الضرورة لا الإرادة والقصد. يصدر عقل من تعقله لما فوقه يصدر عقل آخر ومن تعقله لذاته يصدر فلك..إلخ العقل الأخير هو العقل الفعال والفلك الخاص به فلك القمر.
ما تميّز به الفارابي بعد تميزه بالمنطق هو السياسة والأخلاق ومن أشهر كتبه:
الذي يقول الفارابي عن المدينة الفاضلة في كتابة «آراء المدينة الفاضلة» أن (الرئيس) أو (الملك) له صفات:
يدشن الفارابي، بحسب محسن مهدي "أستاذ الفلسفة الوسطوية العربية الإسلامية بجامعة هارفارد الأمريكية"، «تقليداً سعى للانطلاق من العلم وحاول التوفيق بينه وبين الدين بقدر الاستطاعة دون التخلي عن ثوابت العلم، وهنا يصبح الدين موضوع دراسة، بل موضوع علم محدد، فمثلاً في كتاب الفارابي «إحصاء العلوم» قسمت العلوم إلى اللغة والمنطق والرياضيات والفيزياء وما وراء الطبيعة، وما أطلق عليه علم السياسة أو الفلسفة السياسية وهي تشمل دراسة القوانين الإلهية: الفقه واللاهوت. ويجد الدين مكانته داخل وجهة نظر علمية كونية». وعليه فإن محسن مهدي يحاول إعادة دمج هذا التقليد ضمن صيرورة التفكير الفلسفي في العالم العربي من خلال الطريقة التي نظر بها الفارابي[؟] إلى علاقة الدين بالعلم عبر رابطة السياسة ووفق هدف تحصيل السعادة.
سيكون اكتشاف الفارابي من جديد، بالنسبة لمحسن مهدي، هو اكتشاف مفتاح السعادة للعالم المعاصر، انطلاقاً من أن «الفارابي أكد أن أي علم وأية طريقة في الحياة هي عوامل ضرورية للسعادة»، أي انطلاقاً من رؤية علمية للدين تضمن تناغم العلم والدين في إطار معرفة دقيقة بالنظام السياسي الذي يمثل المجال الحيوي لتعايش الأفكار والمعتقدات.
ثانياً: أمام الفلسفة، أمام السياسة يظهر أن محسن مهدي كان يسعى إلى تدشين مرحلة حكمية من الفلسفة الإسلامية أي باتخاذ موقف من القضايا الدينية والعلمية وفق «إرادة جيدة للمعرفة» أو «سياسة راشدة للمعرفة» والتي يمثل فيها استحضار الفارابي قاعدة أساسية لرسم الخطوط العامة لهذه الإدارة أو السياسة، باعتبار أن الفارابي كان قد أعطى الفلسفة نفسها دلالة سياسية، ومن ثمة فإن رؤية محسن مهدي مبنية على منظور سياسي لا يعتبر السياسة مجرد نظام وسلطة ومؤسسات، بل فلسفة واقع تمتزج فيها وتتعايش المعتقدات الدينية والمعتقدات العلمية والأفكار والتوجهات والمواقف...وهي في النهاية بؤرة لإنتاج السعادة وتوسيع فائدتها. وهكذا فإن العودة إلى الفارابي تمكّن من توجيه فلسفي لمسار العمل على هذه المراحل الثلاث للتوفيق بين العلم والدين، والتي تؤدي في النهاية إلى اكتشاف مفتاح السعادة للعالم الدنيوي». ومنه يضطلع محسن مهدي بمهمة تبيان دور الفارابي في تغيير وجهة الفكر العربي الإسلامي باعتباره «وسيطاً لقراءة أفلاطون من جهة ومعرفة أحوالنا والتعرف على الوضع البشري بشكل أفضل من جهة أخرى». وبهذا فإن هذا العمل الفلسفي داخل متون الفارابي ليس إلَّا خليطاً عقلانيًّا يربط التأسيس المعرفي للسياسة العربية الإسلامية وفق الفلسفة اليونانية، بأحوال العالم العربي الإسلامي اليوم من خلال الممكنات العقلانية التي تعمل على فك الثنائيات المتصارعة (العلم والدين، العقل والنص، الفلسفة والشريعة...).
يذكر معظم المؤرخين أن الفارابي قد توفي بدمشق في شهر رجب سنة 339 هـ، وأن الملك سيف الدولة قد صلّى عليه في أربعة عشر أو خمسة عشر من خواصه، وأنه قد دفن بظاهر دمشق خارج الباب الصغير، ويدل كلامهم على أنه قد توفي وفاة طبيعية.