English  

كتب السياسة الاقتصادية

اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.

عرض المزيد

السياسة الاقتصاديَّة (معلومة)


كانت سنوات حكم كاترين الثانية الأربعة والثلاثون من أعظم السنوات التي مرَّت بها روسيا على الصعيد الاقتصادي، فلقد ازدهرت الصناعات والتجارة ونمت مع استمرار الاعتماد على القطاع الزراعي بشكلٍ كبير، وتم إنشاء أوَّل مصرف حُكومي وأُصدرت العملة الورقيَّة للمرَّة الأولى. وقد اتخذت إجراءات صارمة لِحماية الصناعة الوطنيَّة، من خِلال حظر استيراد السلع التي يُمكن إنتاجها في البلاد. وقد ازدادت صادرات روسيا إلى أوروپَّا وخاصَّةً الحديد والحديد الزهر، كما تمَّ فرض رُسوم كبيرة على السِّلع الرفاهيَّة، وكذلك النبيذ والحُبوب والألعاب. وفي سبيل تشجيع الصناعة الوطنيَّة، أصدرت كاترين الثانية قرارًا في سنة 1775م سمحت بِموجبه لِأصحاب المصانع والمشاغل أن يفتتحوا مُؤسساتهم ويُباشروا العمل بها دون الحُصُول على إذنٍ مُسبقٍ أو رُخصةٍ من السُلطات. وقد ساهم تطوير وتنشيط التجارة في ظُهُور مُؤسسات ائتمان عديدة في البلاد منها ما كان مملوكًا لِلدولة ومنها ما كان مُلكًا لِلأفراد، كما أدَّى ذلك إلى توسُّع الأعمال المصرفيَّة.

أقدم مجلس الشُيُوخ خِلال العهد الكاتريني، وبِمسعى من الإمبراطورة نفسها، إلى تحديد أسعار السلع الأوليَّة الضروريَّة وحظر التلاعب بها أو احتكارها، ومن تلك السلع على سبيل المِثال الملح، الذي فرض مجلس الشُيُوخ سعره لِيكون 30 كوبيل مُقابل كُل پود (وحدة قياس روسيَّة تُساوي 16.38 كيلوگرام تقريبًا) و10 كوبيلات مُقابل كُل پود مُخصص لِتمليح الأسماك النهريَّة المُصادة. هدفت كاترين من وراء منع احتكار السلع الأوليَّة سالِفة الذِكر تشيح المُنافسة بين التُجَّار وأصحاب المصالح، وبِالتالي إجبارهم على تحسين مُستوى ونوعيَّة مُنتجاتهم. لكن على الرُغم من ذلك يُلاحظ أنَّ الحيلولة دون الاحتكارات لم تكن ناجحة على الدوام، فقد عاودت أسعار الملح الارتفاع بعد حين، وتمكَّن بعض التُجَّار من احتكار تجارة الحرير وغيرها من البضائع مع الصين.

بِالإجمال، فإنَّ نسبة الصادرات الروسيَّة إلى الدُول الأوروپيَّة الغربيَّة ارتفعت بشكلٍ ملحوظ خِلال هذه الفترة، وتخصصت بعض تلك الدُول باستيراد كميَّات كبيرة من بضائع مُحددة، فقد استأثرت بريطانيا بِحصَّة الأسد من صادرات الأقمشة والأنسجة الروسيَّة، بينما تصدَّر الحديد الخام والحديد الزهر قائمة الصادرات الروسيَّة إلى بُلدانٍ أُخرى، كما ارتفعت نسبة الطلب على الحديد في الأسواق المحليَّة بشكلٍ كبير. أضف إلى ذلك، لوحظ ارتفاعٌ واضحٌ في نسبة الصادرات من المواد الأوليَّة، ومنها: الأخشاب (تضاعفت 5 مرَّات)، والقنَّب، وشعر المواشي وأصوافها، وغير ذلك من المواد، إلى جانب الحنطة. وبِحُلول سنة 1790م كان حجم الصادرات الروسيَّة قد بلغ 39.6 ملايين روبل، مُقارنةً بِحوالي 13.9 ملايين روبل سنة 1760م. كان العداء الروسي العُثماني إحدى أسباب إغلاق العُثمانيين لِمضيقيّ البوسفور والدردنيل أمام الروس لِمنعهم من العُبور إلى البحر المُتوسِّط وحرمانهم من مُمارسة الأعمال التجاريَّة فيه، أمَّا بعد إبرام الصُلح بين الدولتين، تمكَّنت روسيا من أن تنفذ إلى البحر سالِف الذِكر، على أنَّ عدد سُفنها فيه كان قليلًا جدًا بِالمُقارنة مع سُفنها في بِحار الشمال، فقد شكَّلت 7% فقط من إجمالي السُفن التجاريَّة الروسيَّة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر؛ لكن بِالمُقابل شهد العهد الكاتريني ارتفاع عدد السُفن التجاريَّة الأجنبيَّة المُبحرة في المُتوسِّط تحت الراية الروسيَّة، أو المأجورة من قِبل المرافئ الروسيَّة، من 1340 سفينة إلى 2430 سفينة.

يقول المُؤرِّخ الاقتصادي الروسي نِقولا روسخوڤ أنَّ غالبيَّة الصادرات الروسيَّة في العهد الكاتريني كانت عبارة عن موادٍ أوليَّةٍ أو مُنتجاتٍ شبه جاهزة، أمَّا المُنتجات الصادرة الكاملة فكانت معدومة أو شبه معدومة، وأنَّ ما بين 80 و90% من المُنتجات الجاهزة في روسيا كانت في واقع الأمر مُستوردة من أوروپَّا الغربيَّة، ممَّا يعني أنَّ كميَّة الواردات كانت تفوق كميَّة البضائع المُصنَّعة محليًا بشكلٍ كبيرٍ جدًا. ويُضيف، أنَّهُ بناءً على هذه المُعطيات يُمكن القول بأنَّ حجم الصناعات الروسيَّة المحليَّة في سنة 1773م كان هو نفسه حجم سنة 1765م، عندما تولَّت كاترين العرش، أي كان يصل إلى 2.9 ملايين روبل، بينما كانت كميَّة الواردات خِلال هذه السنوات تُقدَّر بِحوالي 10 ملايين روبل. يقولُ روسخوڤ أيضًا أنَّ الصناعة في روسيا استمرَّت بدائيَّة ويدويَّة في العهد الكاتريني، عكس ما كان يحصل في الدُول الأوروپيَّة التي كانت تتحوَّل تدريجيًا إلى استخدام الآلات لِإنتاج أعدادٍ أكبر من البضائع، أمَّا روسيا فبالكاد عرفت استخدام الآلات الصناعيَّة، الأمر الذي أدَّى إلى عدم مقدرة المصانع والورش على تلبية كامل احتياجات السوق من المُنتجات المُختلفة، فعلى سبيل المِثال كانت حاجة الجيش الهائلة لِلأقمشة تستوجب على الدولة شراءها من الخارج نظرًا لِعدم قُدرة ورش الخياطة الروسيَّة على تغطية هذا الطلب سنة وراء أُخرى، كما أنَّ الأقمشة الروسيَّة كانت غالبًا من نوعيَّةٍ رديئةٍ مما جعل العامَّة والخاصَّة يُحبذون شراء الأقمشة الأوروپيَّة. ويبدو أنَّ كاترين نفسها لم تكن على درايةٍ بِأهميَّة وضرورة الثورة الصناعيَّة الدائرة في الغرب، فلم تسعَ إلى دعم المُخترعين الروس كونها اعتبرت حُلول الآلات مكان الأيدي العاملة مُضرٌّ لِلإمبراطوريَّة كونه يتسبب بِبطالة الكثير من الناس. يُضيف روسخوڤ قائلًا أنَّ أعظم الصادرات الروسيَّة في عهد كاترين، وهي الأنسجة والحديد الزهر، كانت تُصنَّع باستخدام الطُرق البدائيَّة القديمة دون أي استخدامٍ لِلآلات كما كان يحصل في الغرب، ممَّا جعل كميَّة المُنتجات محدودة، وأدَّى بِالتالي إلى أزمةٍ كبيرةٍ دبَّت في كِلا الصناعتين بعد وفاة كاترين مُباشرةً.

يُلاحظُ أنَّ سياسة كاترين الثانية الاقتصاديَّة تحوَّلت تدريجيًا من حمائيَّة، كما كان الأمر على عهد الإمبراطورة أليصابت بِهدف تثبيط الواردات، إلى ليبراليَّة مُطلقة تدعم التجارة الحُرَّة والتنافُس، ويعتبرُ بعض المُؤرخين أنَّ سبب هذه النقلة النوعيَّة هو تأثُّر كاترين بِأفكار أصحاب المذهب الطبيعي (الفيزيوقراطي) الذين قالوا بِحُريَّة الصناعة والتجارة وبأنَّ الأرض هي مصدر الثروة كُلَّها. فقد أقدمت الإمبراطورة الروسيَّة في بداية عهدها على إبطال حظر تصدير الغِلال والحنطة إلى الخارج، فأخذ تصديرُها مُنذ ذلك الحين ينمو شيئًا فشيئًا، كما أزالت الحواجز والقُيُود التي كانت مفروضة على التُجَّار الأجانب في سبيل تشجيع المُنافسة وإرغام التُجَّار والصناعيين والحرفيين الروس على تحسين مُستوى إنتاجيَّتهم. وفي سنة 1765م أقدمت على تأسيس «الجمعيَّة الاقتصاديَّة الحُرَّة» التي كانت تنشر الأفكار والمبادئ التجاريَّة الليبراليَّة في دوريَّتها الشهريَّة. وفي سنة 1766م أصدرت كاترين تعريفة جُمرُكيَّة جديدة أقل قيمةً من التعريفة الحمائيَّة القديمة الصادرة 1757م، والتي كانت تتراوح بين 60% و100% من ثمن البضائع المُستوردة، كما عاودت سنة 1782م تخفيض تلك التعريفة مُجددًا حتَّى وصلت إلى 10% من ثمن البضائع، مُقارنةَ بِالتعريفة الحمائيَّة «الوسطيَّة» لِسنة 1766م والتي كانت تبلغ 30% من ثمن البضائع المُستوردة.

ازدهرت الزراعة في العهد الكاتريني وارتفعت نسبة المُنتجات الزراعيَّة بشكلٍ ملحوظ، ومردُّ ذلك هو اكتساب الإمبراطوريَّة المزيد من الأراضي والبلاد ذات التُربة الخصبة والمُناخ المُعتدل نسبيًا، من خِلال توسُعاتها وحملاتها العسكريَّة. وقد حاولت كاترين من خِلال الجمعيَّة الاقتصاديَّة الحُرَّة تشجيع المُزارعين والفلَّاحين على اعتماد طُرق وأساليب زراعيَّة جديدة من شأنها تكثيف الإنتاج الزراعي، لكنَّ هذه المُحاولة لم تلقَ نجاحًا كبيرًا، وبقي أغلب المُزارعين يعتمدون على طُرُقهم البدائيَّة. عانت روسيا خِلال السنوات الأولى من العهد الكاتريني من مجاعة اشتدَّت وظهر أثرها بشكلٍ جليٍّ في الأرياف خاصَّةً، وقيل بأنَّ سببها كان هلاك المحاصيل واختفاء الغلال من الأسواق، إلَّا أنَّ المُؤرِّخ المُعاصر ميخائيل پوكروڤسكي يربط بين بدايات المجاعة وازدياد نسبة الصادرات الزراعيَّة الروسيَّة - وخُصوصًا الحنطة - نحو أوروپَّا، وبالتالي، لعلَّ حُصُول المجاعة مردُّه التصدير المُكثَّف لِلمحاصيل بحيثُ لم يبقَ ما يكفي لِسد حاجات الشعب الروسي الغذائيَّة. تسببت المجاعة بِهجرة الكثير من الفلَّاحين من أراضيهم ومزارعهم ناحية المُدن الكُبرى في وسط القسم الأوروپي من روسيا، مثل موسكو وسمولينسك وكالوگا، وأدَّى هذا بِدوره إلى ازدياد نسبة الفُقر والبُؤس، وارتفعت أسعار الخُبز ارتفاعًا فاحشًا، فبعد أن كانت تصلُ إلى 86 كوبيل في سنة 1760م، أصبحت بِحُلول سنة 1773م 2.19 روبل، وعاودت الارتفاع مُجددًا حتَّى أصبحت بِحُلول سنة 1788م تصلُ إلى 7 روبلات، أي ازدادت بِحوالي 8 مرَّات.

سنة 1768م أمرت كاترين بِإنشاء مصرفٍ خاصٍ بِالدولة مُهمَّتهُ إصدار نقدٍ ورقيٍّ لِلتداول به عوض النقد المعدنيّ. فافتُتح في السنة التالية (1769م) في بطرسبرغ وموسكو، ثُمَّ افتُتحت في السنوات التالية عدَّة فُروع لِهذا المصرف في البلدات والمُدن الرئيسيَّة عبر مُختلف أنحاء الإمبراطوريَّة. وقد أصدر المصرف أوراقًا ماليَّة بِقيمة 100 و75 و50 و25 روبل، كانت تُمنح لِلناس عند إيداعهم مبالغ مُماثلة بِالقطع النقديَّة النُحاسيَّة. أمَّا سبب اعتماد النقد الورقي في روسيا في ذلك الوقت فكان بِسبب صرف الحُكومة مبالغ طائلة على سلاح وعتاد الجيش الذي كان يخوض حربًا ضدَّ العُثمانيين، ممَّا أدَّى إلى حُصول نقصٍ في مخزون الدولة من الفضَّة. وقد أدَّى تناقص النُقود الفضيَّة ونُدرتها في الأسواق وكثرة النُقود النُحاسيَّة إلى صُعوبة دفع المبالغ الضخمة المُستحقة لِأصحابها وشراء البضائع، بِسبب صُعوبة جمع تلك المبالغ بما هو موجود من العُملات النحُاسيَّة، لِذا رأت الإمبراطورة أنَّهُ لا بُد من إصدار صُكوكٍ مُعيَّنة تُغطي قيمة المُعاملات الاقتصاديَّة الكبيرة. على أنَّ رأسمال المصرف سالِف الذكر لم يتجاوز مليون روبل نُحاسيَّة في فرعيه بِموسكو وبُطرسبرغ، ممَّا جعل قيمة الصُكوك الصادرة محصورة بِمليون روبل فقط.

المصدر: wikipedia.org