If you do not find what you're looking for, you can use more accurate words.
اجتمع الأحزاب لقتال النبي في غزوة أحزاب من خمسة أصناف، وهم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من القبائل العربية، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون.
شكّل اليهود في خيبر مجموعةً ليقوموا بالطواف على القبائل وإخبارهم بإرادة غزو المسلمين، وتكوّنت هذه المجموعة من حيي بن أخطب رئيساً، والأعضاء هم: سلام بن مشكم، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الواثلي، وأبو عامر، وتوجّهت هذه المجموعة إلى زعماء مكة بعد أربعة أشهرٍ من إجلائهم من المدينة، فعرضوا عليهم مخطّطاتهم لغزو المسلمين، فما كان من الزعماء إلّا الفرح والسرور والموافقة على ما رأوه من الجهود المبذولة في سبيل القضاء على الإسلام والمسلمين، ثم توجّه هذا الوفد بعد انتهائه من قبائل قريش إلى قبائل غطفان في نجد؛ لكي يعرضوا عليهم ما وافق عليه يهود المدينة، فبدأوا بالرعية ثم الزعماء، حيث تحدّثوا إلى عيينة بن حصن؛ وهو أكثر رجلٍ مُطاع بين قبائل غطفان آنذاك، وعرضوا مخطّطاتهم على الحارث بن عوف قائد بني مرّة، وأبي مسعود بن رخيلة قائد بني أشجع، وسفيان بن عبد شمس قائد بني سليم، وطليحة بن خويلد قائد بني أسد، فوافقوا جميعهم، وتمّ الاتّفاق على تنفيذ هذه المخطّطات بتفاصيلها.
بدأ الأحزاب يجهّزون جيوشهم من أجل تنفيذ ما اتّفقوا عليه، وقد بلغ عدد قريش مع حلفائها أربعة آلاف مقاتلٍ، وكانت هذه الغزوة أقوى وأمتن غزوة من حيث العدد والعُدّة، حيث تسلّم أبو سفيان الأموي قيادة الجيش، وحمل راية الغزوة عثمان بن طلحة العبدري، وقاد سلاح الفرسان خالد بن الوليد، وهو ما كانت تسير عليه قريش في عادتها في الغزوات، ولإصرارهم على هذه الغزوة خرج خمسون رجلاً إلى الكعبة، وتعاهدوا على النصرة لبعضهم البعض، أمّا غطفان فقد حشدت ستّة آلاف مقاتل، وقسّمتهم بحسب القبائل، ووضعت لكلٍ منهم قائداً، وهم الذين توجّه إليهم اليهود حين وصولهم إلى غطفان، وقد كان المسلمون على علمٍ بكل ما يجري من التخطيط لغزوهم، فكانوا على أشدّ الاستعداد والتجهّز للمواجهة.
وصل الأحزاب للمدينة، وعندما وصلوا حاولوا اختراق الخندق بشتّى الطرق، وأصبحت هذه القبائل تدور حول الخندق كل ليلةٍ حتى الصباح، وقد حاول خالد بن الوليد أن يدخل منه، إلا أنّ أُسيد بن حضير ومعه مئتين من الصحابة تصدّوا له، فقام وحشي الحبشيّ ورمى حربةً تجاه الطفيل بن النعمان، فأصابته واستشهد، وقام حبّان بن العرقة برمي سهماً تجاه سعد بن معاذ فأصابت كاحله، ولم يكتفِ المشركون بذلك فحسب، بل قاموا بإرسال كتيبةٍ إلى المكان الذي يقيم فيه رسول الله، فانشغل المسلمون بهم حتى الليل، واضطر رسول الله يومها إلى تأخير صلاة العصر، فلما انصرفوا صلّى المسلمون العصر، ودعا عليهم رسول الله بسبب ما كان من تأخير صلاة العصر عن وقتها، وقد تألّف جيش المسلمين من المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم ابتغاء ما عند الله، ومن الأنصار الذين استقبلوهم وكانوا لهم إخواناً وعوناً ونصرة، وقد أصابهم الخوف والقلق؛ حيث سيواجهون أعداداً كبيرة من أعداء الإسلام، ومَن ازداد حقدهم وكرههم لهم.
كانت قبائل اليهود من بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع ضدّ المسلمين رغم ما يقع بينهم من العدواة والتباغض والعنصرية، إلّا أنّ هدف محاربة المسلمين قد وحّد صفّهم، والقرآن الكريم يظهر ضعف اجتماعهم، حيث يقول الله -تعالى- عنهم: (كَيفَ وَإِن يَظهَروا عَلَيكُم لا يَرقُبوا فيكُم إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرضونَكُم بِأَفواهِهِم وَتَأبى قُلوبُهُم وَأَكثَرُهُم فاسِقونَ)، وبمجرّد أنّهم شعروا بالقوة نقضوا عهودهم، وقد وقع الخوف في قلوب المسلمين من نقض بني قريظة للعهد الذي بينهم وبين المسلمين، لأن اليهود ستصبح خلفهم والأحزاب من أمامهم، وقد تحقّق ما خافه المسلمون، فنجح إقناع كعب بن أسد لزعيم بني قريظة في الانضمام إلى صفوفهم.
وصلت الشائعات حول ذلك إلى رسول الله، فأرسل الزبير بن العوام ليأتي له بأخبارهم، فذهب وأتى يخبر رسول الله ببدء تجهيزهم، فعرف رسول الله بنقضهم للعهد المبرم فيما بينهم، وأرسل مجموعةً من الصحابة للتأكّد من ذلك، وطلب منهم إن تأكّدوا أن يبعثوا له بإشارةٍ لا يفهمها سواه، فلمّا تأكّدوا عادوا لرسول الله فقالوا: "عضل والقارة"؛ وهما قبيلتان من اليهود كانتا قد غدرتا بالنبيّ، ففهم رسول الله أنّ بني قريظة قد نقضت العهد، وبدأ برفع همم المسلمين، وقام بإرسال سلمة بن أسلم وزيد بن حارثة، ومعهم خمسمئة رجلٍ من أجل حراسة المدينة والتكبير حتى يُرهبوا عدوّهم، أمّا بنو قريظة فقامت بإرسال الطعام المحمّل على البعير من أجل جيوشها حتى تساعدهم على القتال وتقوّي شوكتهم، إلّا أنّ هذا الطعام أصبح من نصيب المسلمن بعد انتهاء الغزوة.
استغلّ المنافقون من بني حارثة وبني سلمة نقض بني قريظة للعهد فيما بينهم وبين رسول الله، فراحوا يزعزعون ثقة المسلمين بأنفسهم ويثبّطون من عزيمتهم، ومن هؤلاء المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول، حيث كان يقوم بالتخطيط مع بني النضير ضدّ المسلمين، وكانت مناصرته لهم واضحة، وقال -تعالى- واصفاً ذلك التأييد: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، بالإضافة إلى ما قام به عبد الله بن أبيّ من إخافة المسلمين، ومحاولته لإلقاء الرعب في قلوبهم، فانسحب البعض من جيش المسلمين لمّا رأوا ازدياد الحصار عليهم، ومنهم من طلب من رسول الله أن يعود إلى بيته بحجّة أنّها عورة، وقد وصف القرآن ذلك وصفاً دقيقاً، فقال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا).