كتاب تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين

وصف الكتاب

كان لكتاب "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين" للراغب الأصفهاني ذيوع نسبي في ساحة الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً، فقد ذكرته كتب التراجم التي ترجمت لصاحبه، كما ذكرته كتب تصانيف العلوم. وحظي حديثاً بجملة من النشرات المتتالية في البلاد العربية منذ أوائل هذا القرن.

إلا أن هذا الكتاب لم تكن العناية به دراسة ونقداً واستفادة على قدر قيمة محتواه رغم صغر حجمه وقلّة مادته، فقد كان كثير من الكتب المشابهة له والقريبة منه في الموضوع أكثر منه شهرة وسيرورة بين الناس، مثل الفوز الأصغر وتهذيب الأخلاق لمسكويه، والذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب نفسه.

ويبدو أن من أسباب ذلك طبيعة الموضوع الذي عالجه الكتاب في ذاته، فقد كان المحور الذي يدور عليه القول فيه الإنسان بإطلاق لا من حيث جوانب حياته المختلفة مما هو مألوف في الثقافة الإسلامية، ولكن من حيث حقيقته وماهيته وقيمته وغاية وجوده ومصيره، وهو موضوع مستجد في بنيته المستقلة على هذا النحو، وإن يكن التراث الإسلامي لم يخل في ذلك من بيانات وتحليلات مختلفة، ولكنها متناثرة لا تجمعها بنية موحدة.

والمتأمل في القضايا التي بحثت في كتاب تفصيل النشأتين يجد صعوبة في تصنيفه ضمن العلوم المعروفة في الثقافة الإسلامية، فهو ليس كتاباً متمحضاً للأخلاق ولا للزهد ولا للعقيدة ولا للتربية، ولكنه يمت بصلة إليها كلها.

والحقيقة أن الراغب اتخذ محوراً له في كتابه الإنسان بإطلاق من حيث حقيقته، ومن حيث غايته وكيفية تحقيقها، ومن حيث مصيره، ولذلك فإنه لو كان في الثقافة الإسلامية علم يسمى بعلم الإنسان لكان مدرجاً ضمنه وهو ما يبرره قول الراغب نفسه في بيانه لجوهر كتابه إذ يقول في الغرض الذي يؤدي إليه: "وقد عملت ذلك (الكتاب) للأستاذ الكريم أيّده الله لما رأيته معنياً باكتساب الإنسانية الموصلة إلى السعادتين أعانه الله على استفادتها", ففي هذا القول إشعار بأن الكتاب مؤلف في علم من شأنه أن يكسب الإنسانية الموصلة إلى السعادة في الدنيا وفي الآخرة.

ولم لم يكن في الثقافة الإسلامية علم الإنسان، ولم ينشأ فيها ذلك العلم بعد، فإن تفصيل النشأتين أقرب إلى أن يكون في موضوعه ضمن علم العقيدة، وذلك باعتبار ما تمحّض له من بيان لقيمة الإنسان، وما كرم به من النعم في خلقه، وما عهد إليه من وظيفة الخلافة، وما يكون به حائزاً للسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهذه مواضيع أقرب إلى العقيدة منها إلى غيرها.

وإذا ما عدنا لمتن هذا الكتاب نجد أنه قد انتظم في مقدمة وثلاثة وثلاثين باباً، وقد انتظمت الأبواب على العموم في ترتيب متصاعد منطقياً بحيث يؤدي الواحد منها إلى الذي بعده ابتداءً من أصناف الموجودات التي من بينها الإنسان، ومروراً بحقيقة الإنسان المادية والمعنوية، وبغاية وجوده، وبما يحقق تلك الغاية، وانتهاء بالموت وما يحصل بعده. وإذا كانت هذه الأبواب الثلاثة والثلاثون غير مقسمة في ظاهرها إلى محاور أكبر منها إلا أنها في حقيقتها كانت كذلك بحيث يمكن ترتيبها لمجموعات متتالية تتناول كل مجموعة منها قضية أساسية من قضايا الإنسان.

وأما من حيث الآراء التي أوردها الراغب في هذا الكتاب فإن منها ما كان معهوداً متداولاً لدى السابقين كمسكويه وغيره من الأخلاقيين والفلاسفة إلا أنه نسق بينها ووظفها توظيفاً جديداً، مثل الآراء المتعلقة بالعناصر التي يتكون منها الإنسان وكونه جامعاً لعناصر العالم فهو العالم الأصغر، والآراء المتعلقة بقوى النفس وتفاعلها في سبيل تحصيل الأخلاق الحميدة والفوز بالسعادة.

ومن الآراء التي طرحها الراغب في كتابه ما يعتبر مستجداً طريفاً، وخاصة تلك الآراء التي وردت في تحليل ماهية الإنسان واعتبار معرفة الله وعبادته عنصراً منها بحيث لا يكون الإنسان إنساناً إلا بتحققها، وكذلك تحديد قيمة الإنسان بالنسبة للكون، وتحديد الغاية من الوجود الإنساني بخلافة الله في الأرض. وكذلك ما يتعلق بشرح مفهوم العبادة ودورها في تحقيق ماهية الإنسان. فهذه الآراء تنطوي على قيمة كبيرة إما في ذاتها أو في كيفية طرقها وإبرازها، وهو ما يضفي على الكتاب أهمية كبيرة.

ومن أهم ما يميز آراء الراغب في كتابه النزعة التأصيلية حيث يعمد دوماً إلى التماس الحقيقة فيما يقول من القرآن والحديث ليكون الوحي مصدره الأصلي في تقريره لآرائه.

وبالنظر للأهمية التي يحتلها هذا الكتاب فقد اعتنى الدكتور "عبد المجيد النجار" بتحقيق متنه فاهتم أولاً: بتقويم الاضطراب أو الخطأ أو النقص الذي شاب النص وبتصويبه وإكماله. ثانياً: قسم النص إلى فقرات بحسب ما يقتضيه المعنى، ووضع عناوين للفصول التي لم يترجم لها. واثبت علامات الترقيم من فواصل ونقط وغيرها. ثالثاً: علق على النص من مختلف الأبعاد وهدفه تمكين القارئ من استيعاب مقاصد المؤلف ودلالات تعبيره، وذلك بتعاليق وتعقيبات على النص كانت هي عمل المحقق الأساس.

رابعاً: خرج النصوص، وذلك بتعيين أرقام الآيات وسورها، وخرج الأحاديث في كتب الحديث المعتمدة، وكذلك خرج المأثورات والأشعار والأمثال بالإشارة إلى المصادر الموجودة فيها. خامساً: شرح ما ورد في ألفاظ واصطلاحات، وبين المراد من بعض التعابير، ووضح ما بدا بهما أو غامضاً من الآراء والأفكار، سادساً: قارن بعض الآراء الواردة في النص بما هو موافق لها أو مخالف عند الإسلاميين في تناولهم لنفس القضية. سابعاً: اهتم بالآراء الطريقة التي وردت في الكتاب والمتعلقة بجوهر موضوعه وهو قضية الإنسان في العقيدة، وذلك عبر قيامه بشرحها وبيان أهميتها وأبعادها ومقارنتها بما قيل في موضوعها في بعض المذاهب الفلسفية مع بيان وجه التأصيل العقائدي فيها.

حقوق النشر محفوظة

لا يمكن قراءة الكتاب أو تحميله حفاظاً على حقوق نشر المؤلف و دار النشر
غير متوفر رقمياً أو ورقياً من خلال مكتبة نور، متروك للتقييم والمراجعة

مراجعات ( 0 )

اقتباسات ( 0 )

  أبحث عن كتاب آخر