اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.
كارما (بالسنسكريتية: कर्म) وتعني العمل أو الفعل. هي مفهوم أخلاقي في المعتقدات الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية والطاوية. ويشير إلى مبدأ السببية حيث النوايا والأفعال الفردية تؤثر على مستقبل الفرد. حسن النية والعمل الخير يسهم في إيجاد الكارما الجيدة والسعادة في المستقبل، النية السيئة والفعل السيئ يسهم في إيجاد الكارما السيئة والمعاناة في المستقبل. وترتبط الكارما مع فكرة الولادة الجديدة في الديانات الهندية.
يطلق لفظ كارما على الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّرا كان أو شّرا، وأي كان مصدره، فعل، قول أو مجرد فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مسبوق. وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ تنمو، وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزائُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال)، فالكارما هي قانون الثواب والعقاب المزروع في باطن الإنسان.
الكارم هي «الفعل» أو «العمل» أو «الصنيع» أو «التصرف» المُنفَذ، وهي أيضًا «الغاية» و«النية». يفسر فيلهيلم هالبفاس الكارما (كارمان) عبر مقارنتها بكلمة سنسكريتية أخرى هي كريا. كلمة كريا تعني العملية جنبًا إلى جنب مع الخطوات والجهد أثناء العمل، في حين أن كارما تعني (1) الفعل المُنجز كنتيجة لتلك العملية، بالإضافة إلى (2) نية الفاعل خلف الفعل المُنجز أو الفعل المُخطط له (يصفها بعض الباحثين بأنها بقايا ميتافيزيقية باقية في الفاعل). الفعل الجيد يخلق كارما جيدة، كما تفعل النية الجيدة. الفعل السيء يخلق كارما سيئة، كما تفعل النية السيئة.
تشير الكارما أيضًا إلى مبدأ نظري نشأ في الهند، غالبًا ما يطلق عليه بصورة وصفية اسم مبدأ الكارما، وفي بعض الأوقات نظرية الكارما أو قانون الكارما. في سياق النظرية، الكارما معقدة ومن الصعب تعريفها. تستقي مدارس علم الهنديات المختلفة تعاريفًا مختلفة لمفهوم الكارما من النصوص الهندية القديمة؛ تعريفهم هو مزيج ما بين (1) السببية التي قد تكون أخلاقية أو غير أخلاقية؛ (2) التخليق (إضفاء الطابع الأخلاقي)، أي أن للأعمال الجيدة والسيئة عواقب؛ و (3) الولادة الثانية. يضمّن علماء الهنديات الآخرين في تعريف نظرية الكارما ما يفسر الظروف الحالية لفرد ما بالرجوع إلى أفعاله في الماضي. قد تكون هذه الأفعال من الحياة الحالية لشخص ما، أو، في بعض مدارس الطرائق الهندية، قد تكون من حيواته السابقة؛ علاوة على ذلك، قد تقع العواقب في الحياة الحالية للشخص أو في حيواته القادمة. يعمل قانون الكارما مستقلًا عن أي إله أو إجراء من إجراءات الحساب الإلهي.
تبرز صعوبة التوصل إلى تعريف للكارما نتيجة تنوع الآراء بين مدارس الهندوسية؛ يعتبر بعضها، على سبيل المثال، الكارما والولادة الثانية مرتبطتان وجوهريتان في الوقت ذاته، ويعتبر البعض الكارما جوهرية فقط دون الولادة الثانية، وهناك قلة يناقشون ويخلصون إلى أن الكارما والولادة الثانية خيال مغلوط. تمتلك كل من البوذية والجاينية مبادئ الكارما الخاصة بها. بالتالي، لا تمتلك الكارما تعريفًا واحدًا، بل عدة تعاريف وعدة معانٍ. إنه مفهوم يتباين معناه، وأهميته واتساعه بين الهندوسية والبوذية والجاينية والطرائق الأخرى التي نشأت في الهند، والمدارس المتعددة الخاصة بكل من هذه الطرائق. تزعم أوفلاهيرتي أنه، إضافة إلى ذلك، هناك سجال ما زال مستمرًا فيما يخص ما إذا كانت الكارما نظرية، أم قاعدة، أم صيغة، أم مجازًا، أم موقفًا ميتافيزيقيًا.
تتشاطر نظرية الكارما كمفهوم، عبر مختلف الطرائق الدينية الهندية، عدة موضوعات مشتركة: السببية، والتخليق والولادة الثانية.
مبدأ السببية هو أحد المواضيع المشتركة بين نظريات الكارما. يبرز أقدم ارتباط بين الكارما والسببية في كتاب بريهادارانياكا أوبانيشاد الهندوسي. مثلًا، ينص عند المقطع 4.4.5 – 6:
«الآن وقد غدا رجلًا، الأمر إما هكذا، أو كذاك،
طبق ما يفعل ووفق سلوكه، يصير؛
رجل طيب الفِعال يصير طيبًا، وخبيثها يصير خبيثًا؛
يصفا بصفاء صنائعه، ويفسد بفسادها؛
يُقال هنا أن المرء مجبول من رغبات،وكما تكون رغبته، تكون إرادته؛
وكما تكون إرادته، تكون صنيعته؛
وسيحصد، أيّما زرعه».
- بريهادارانياكا أوبانيشاد، القرن السابع ق.م.
العلاقة بين الكارما والسببية فكرة أساسية في كل مدارس الفكر الهندوسي والجايني والبوذي. نظرية الكارما كما يرى مبدأ السببية هي أن (1) أفعال فرد ما المنفَذة تؤثر عليه وعلى الحياة الي يعيشها، و (2) نوايا فرد ما تؤثر عليه وعلى الحياة التي يعيشها. لا تعطي الأفعال الفاترة، أو الأفعال غير المتعمدة التأثير الكارميّ الإيجابي أو السلبي ذاته، الذي تعطيه الأفعال المعنيّة أو العمديّة. في البوذية، على سبيل المثال، الأفعال التي تُنفذ، أو تطرأ، أو تنشأ دون أي نية سيئة، كالطمع، تُعتبر غير قائمة في التأثير الكارميّ أو محايدة في تأثيرها على الفرد.
من السمات السببية الأخرى التي تتشاركها نظريات الكارما، هي أن الصنائع المتشابهة تقود إلى تأثيرات متشابهة. بالتالي تنتج الكارما الجيدة أثرًا جيدًا على الفاعل، في حين تنتج الكارما السيئة أثرًا سيئًا. قد يكون الأثر ماديًا أو أخلاقيًا أو عاطفيًا، أي أن كارما المرء تؤثر على سعادته وشقائه. ليس من الضروري أن يكون أثر الكارما مباشرًا؛ قد يقع تأثيرها لاحقًا في حياة المرء، أو يمتد إلى حيوات قادمة وفق بعض المدارس.
يمكن وصف عواقب أو تأثيرات كارما المرء في صيغتين: بهالات وسامسكارات. البهالا (تعني حرفيًا، ثمرة أو نتيجة) هي التأثير المرئي أو غير المرئي الذي يكون إجمالًا مباشرًا أو ضمن الحياة الحالية. وعلى النقيض، السامسكارا هي تأثير غير مرئي، تُنتجه الكارما داخل الفاعل، يحول العميل ويؤثر على قدرته على السعادة أو الشقاء في هذه الحياة والحيوات المستقبلية. غالبًا ما تُطرح نظرية الكارما في سياق السامسكارات.
يمكن فهم مبدأ الكارما، كما يقترح كارل بوتر، كمبدأ في علم النفس والعادة. تغرس الكارما عادات (فاسانا)، والعادات تخلق طبيعة الإنسان. تغرس الكارما إدراك الذات أيضًا، ويؤثر الإدراك على طريقة مواجهة المرء للأحداث الحياتية. يؤثر كل من إدراك الذات والعادات على مسار حياة المرء. كسر العادات السيئة ليس أمرًا سهلًا: يتطلب جهدًا كارميًا واعيًا. بالتالي يربط كل من النفس والعادة، وفقًا لبوتر وآخرين، الكارما بالسببية في الأدب الهندي القديم. يمكن مقارنة فكرة الكارما بمفهوم «شخصية» الشخص، إذ أن الاثنين تقييمات للشخص ويحددهما تفكير الشخص المعتاد وفعله.
التخليق هو الموضوع الثاني المشترك بين نظريات الكارما. يبدأ هذا مع افتراض أن لكل فعل عاقبة، سيجنيها الشخص إما في هذه الحياة أو القادمة منها؛ وهكذا، فالأفعال الجيدة أخلاقيًا سيكون لها عواقب إيجابية، بينما تنتج الأفعال السيئة نتائج سلبية. وهكذا يمكن تفسير الوضع الراهن لفرد ما بالرجوع إلى أفعال فعلها في حياته الحالية أو في حيوات سابقة. الكارما ليست «ثوابًا أو عقابًا» بذاتها، لكنها القانون الذي ينتج العاقبة. يقول هالبفاس، تُعتبر الكارما الجيدة دارما وتقود إلى بونيا (الفضيلة)، في حين تعتبر الكارما السيئة أدارما وتقود إلى باب (الدنيئة، الخطيئة).
يقترح رايخنباخ أن نظريات الكارما هي نظريات أخلاقية. هذا لأن باحثي الهند القدماء ربطوا النية والفعل الحقيقي بالفضيلة، والثواب، والدنيئة بالعقاب. نظرية دون افتراض أخلاقي من شأنها أن تكون علاقة سببية صافية؛ أي أن الفضيلة والثواب أو الدنيئة والعقاب ستكون متشابهة إذا صرفنا النظر عن نية الفاعل. في الأخلاق، لنوايا المرء، ومواقفه ورغباته أهمية في تقييم فعله. حيث تكون النتائج غير متعمدة، يكون وقع مسؤوليتها الأخلاقية أخف على الفاعل، حتى وإن كان من الممكن للمسؤولية السببية أن تكون ذاتها مهما يكن. لا تأخذ نظرية كارما الفعل فقط بعين الاعتبار، بل نية الفاعل أيضًا، وموقفه، ورغباته قبل الإقدام على الفعل وأثناءه. بالتالي يحث مفهوم الكارما كل شخص على السعي خلف حياة أكثر أخلاقيةً، وعلى تجنب حياة غير أخلاقية. وهكذا يكون مفهوم وأهمية الكارما بمثابة لبنات لنظرية أخلاقية.